من كتاب يوميات في السيرك بقلم ناني محسن : الفصل الخامس - ماريونت ج1
كتبت في 17 فبراير 2015 بعد مقتل 21 مسيحي مصري على يد داعش في جريمة تعيد إلى الأذهان نفس طريقة الذبح البربرية بصبرا وشاتيلا ودير ياسين وكأن أداة الجريمة دائما تنم عن الفاعل الحقيقي الذي يمسك بيده خيوط اللعبة
استعد " شمس ونور " للسفر إلى بلجيكا مع " ميشال " ، كان " نور " ينوي بالفعل عمل مُتحف يروي رحلة العائلة المقدسة إلى مصر وهى رحلة يشتاق مسيحيو العالم للتعرف عليها ، لعلها تكون أسلوب دعاية جيدة ومشوقة لزيارة الأماكن الحقيقية لتلك الرحلة في مصر .
وقبل سفر " نور " اتصل بأقربائه للاطمئنان عليهم فبعضهم مقيم بالقاهرة والبعض الآخر بالمنيا وهي مسقط رأس جده ، نور من المُحبين لترابط الأسر والعائلات ، رغم ذلك فطبيعة الحياة بالقاهرة وكثرة مشاغلها كانت تباعد بينه وبين هذا الجو العائلي الدافئ , ولكن حانت اللحظة التي يكون فيها بعيداً بجسده أيضاً عن مصر كلها , لذلك قرر الاتصال بكل أقاربه وزيارة من استطاع زيارته منهم .
اتصل بعمه " بيشوي " وأبلغه بسفره وسأله عن أحواله وعن أحوال ابن عمه " أبانوب "، الذي يعد من أحب أبناء أعمامه إلى قلبه ، فطمأنه عمه أنهم في أحسن حال , استشعر " نور " أن صوت عمه حزينا ، حاول أن يعرف ما سبب حزنه , لكن عمه أخبره أنه مصاب بنزلة برد وهو في أحسن حال ، لكن قلب " نور " لم يكن مُستريحا لهذا ، فسأل والده عن أحوال عمه فأخبره إن هذا الشعور ينتابه أيضا , ً ويشعر بالقلق تجاه أخيه , لكنه لا يقول شيئا ودائماً يؤكد أنه في أحسن حال ، لذا سيسافر إلى المنيا ليطمئن على أحواله بنفسه
وصل " نور وشمس وميشال " إلى " إنتويرب " وبدءوا في التجهيز لمتحف قبطي , يُجسد رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ، وكانت تلك المرحلة آخر مراحل الإعداد قبل افتتاح الفندق , وبعد ستة أشهر تم الانتهاء من مبنى مجاور للمتحف على هيئة الكنيسة المعلقة بمصر القديمة ، داخل المبنى توجد قاعات بها ماكيتات لعدد من المزارات التي تمثل مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر .
يتكون برنامج رحلة العائلة المقدسة إلى مصر من خمس وعشرين مسارا , تبدأ من الفرما إلى تل بسطة حتى مسطرد ، وصولاً إلى سخا ، ثم وادى النطرون الذي يحتوى على أربعة أديرة مهمة ، هي " دير الأنبا بيشوي " و " دير السيدة العذراء " "السريان"، و" دير البراموس "، و " دير القديس أبو مقار "، ويحتوي "دير الأنبا بيشوى " على ضريح " البابا شنودة " ، و " مائدة الرهبان " و " حصن الخباز ".
ونستكمل المسيرة حتى نصل إلى المطرية بالقاهرة ، حيث توجد " شجرة مريم "، و" كنيسة السيدة العذراء " بالزيتون، و" كنيسة أبو سرجة " أقدم كنيسة في القاهرة ، وقد مكثت العائلة المقدسة بهذا المكان في رحلتي الذهاب والعودة، حيث يوجد موقع التعميد بالكنيسة والبئر الذي شربت منه العائلة المقدسة .
ثم تتجه الرحلة إلى مجمع الأديان بالقاهرة ، ويشمل المجمع " الكنيسة المُعلقة "، و " مسجد عمرو بن العاص " أقدم مسجد بإفريقيا، و " المعبد اليهودي بن عزرا ".
ثم تتجه الرحلة بعد ذلك إلى " كنيسة المعادي " ، التي يوجد بها المذبح ، ثم إلى البهنسا ومنها إلى " كنيسة جبل الطير الأثرية " والتي يوجد بها المغارة المقدسة.
ثم يتجه المسار بعد ذلك إلى " دير المحرق بأسيوط " وبه أول كنيسة شيدت في مصر تحقيقاً للنبوءة الواردة في " سفر أشعيا "، حيث أقامت بهذا الموقع العائلة المقدسة فترة وصلت إلى ستة أشهر و عشرة أيام ، وهى أطول مدة ظلت فيها العائلة المقدسة بموقع واحد أثناء تنقلها ، لتتجه بعد ذلك إلى " دير جبل درنكة "، حيث أقامت به العائلة المقدسة في طريق العودة بعد أن تلقت رسالة بوفاة الملك " هيرودس " وإمكانية العودة ، وبها مغارة بالجبل تضم مجموعة من الأيقونات.
كانت الأماكن مُرتبطة بعدد من الأديرة ، تم عمل ماكيتات مُصغرة لها , فكان المُتحف مشوقاً لأي زائر ليقوم بزيارة فعلية لتلك الأماكن المُقدسة لدى مسيحيو العالم بجميع طوائفهم
وبعد الانتهاء الكامل من كافة تجهيزات الفندق أعلن " ميشال " عن يوم الافتتاح الذي اختاره أن يكون ليلة رأس السنة 2015 ، كان الفندق مُكتمل العدد ، غير قادر على استيعاب الكم الهائل من عروض الحجز من العرب والأوروبيين ، فقد كانت فكرة فندق حلال والمتاحف المتنوعة تجربة فريدة وجاذبة لعدد من الجنسيات خاصة المُلتزمين منهم من المسلمين والمسيحيين .
وجه " ميشال " الدعوة لحضور حفل الافتتاح إلى السفير المصري وأعضاء السفارة ، كما وجه الدعوة لعدد من الشخصيات البلجيكية البارزة ، وجميع مسئولي كبرى الفنادق البلجيكية ، وبحكم أخلاقيات وبروتوكول العمل تم توجيه الدعوة " لموريس شاؤول " بصفته المدير العام " لراديسون بلو " أهم وأكبر فنادق " إنتويروب " .
كان يوم الاحتفال محط أنظار مدينة " إنتويروب " ، الفندق يبدو كما لو كان ماسة تتلألأ على ضفة " نهر شيلد "، المركب الفرعوني مُتزينة بالأنوار تجوب مياه النهر ، وفي تمام الساعة الثانية عشرة ومع أول لحظات عام 2015 انطلقت صواريخ عيد الميلاد من حديقة " فندق رمسيس " تُعلن بداية العام الجديد وقص شريط افتتاح الفندق ، والحقيقة أن الفندق كان وفق تعبير الحاضرين منتجع أثري سياحي من الطراز الأول ، تجربة فريدة قابلة للتطبيق في كل دول العالم ، مما دعا وزير السياحة البلجيكي لطرح فكرة إقامة مُنتجع مماثل في مصر يضم متاحف عن التراث البلجيكي لخلق نوع من التبادل الثقافي بين البلدين ، وقد لاقت تلك الفكرة تأييدا كبيرا من السفير المصري ، وأعرب ميشال عن رغبته الفعلية ليكون " رمسيس إنتويرب " نواة لسلسلة مماثلة حول العالم .
وسط هذا الحوار وجد " ميشال "يداً تمتد لمصافحته ، إنها يد " موريس " الذي حضر لتهنئته بافتتاح " فندق رمسيس " ، بدت السعادة على وجهه لحضور صديقه القديم رغم اعتراضاته التي يعرفها حول اسم رمسيس ، وما يسببه هذا الاسم في نفسه من ضيق ، لكنه قدم مشاعر الصداقة على قناعته الدينية .
أخذ ميشال بيده , وتوجه به لمصافحة صديقاه وشريكا عمله " شمس ونور " ، كان " شمس " على قدر كبير من التسامح الذي ظهر في حفاوة استقباله " لموريس " حين قال له أهلاً بالصديق وابن العم ، وكأنه نسي ما مضى بينهما من خلاف ، كانت السعادة تبدوا على وجوه الجميع لدرجة جعلت , نور , يقول كلمة بالغة الصدق والتأثير عندما تسود روح المحبة والتسامح بين الناس مهما اختلفت جنسياتهم ومعتقداتهم .
نور : هل تعلمون أننا الآن نُمثل كل الأديان السماوية على وجه الأرض بداية من اليهودية ، والمسيحية بطوائفها , وصولاً إلى الإسلام ، وهذه الروح التي نتعامل بها لو تعامل بها الجميع لعاش هذا الكوكب في سلام
شمس : معك حق , وجهة نظر ورؤية عظيمة من إنسان متسامح وخلوق
موريس : كلماتك تدعوا إلى الاحترام نور ، حقاً أنت إنسان عظيم , ليت أصدقاءك مثلك
نظر الجميع بدهشة إلى " موريس " ، من الواضح انه كان يقصد " شمس وميشال " ، لكنهما بالفعل أحسنا استقباله , وسعدا بوجوده، مما جعل " شمس " يصمت تماماً , لأنه يدرك أن طبيعته غلبته ، أما " ميشال " فقد سأله بصراحة هل حدث منا ما يدعوك للضيق .
موريس : " نور " يقول أننا الآن نُمثل كل الأديان ، والحقيقة أن هذا العمل الأثري الرائع يُمثل التراث الفرعوني والإسلامي والمسيحي , وكأن مصر لم يكن لليهود بها يوماً مكان .
نور : يبدوا أن السيد " موريس " لم يقرأ جيداً لوحة " الكنيسة المُعلقة " بالخارج التي كُتب عليها " مجمع الأديان " ولو نظرتم في محتويات القاعة المجاورة لنا ، والتي تضم ماكيتا واحدا فقط ، أنه ماكيت كبير لمجمع الأديان , والذي يشمل " المعبد اليهودي ابن عذرا " و " الكنيسة المُعلقة " و " مسجد عمرو بن العاص " ، هكذا كانت مصر وستظل مهبط الأديان السماوية , ورمزاً للتدين البعيد عن التعصب ، ورمزاً للمحبة التي تجمع بين أبنائها بمختلف عقائدهم
موريس : نور أنت شخصية عظيمة ويبدوا أننا سنصبح صديقين
نور : يشرفني سيد " موريس "
ذهب " شمس " لمرافقة الزائرين في جولتهم بالمتحف الفرعوني ، وأصطحب " ميشال " كبار الزوار في جولة داخل الفندق ، بينما ظل " نور " بالمتحف المسيحي ومعه " موريس " يُظهر له كل مشاعر المحبة والود
موريس : أنا معجب بشخصيتك يا " نور " وواضح انك متدين جداً
نور : أنا " شماس" ووالدي " قسيس " وجدي " مقدس "
موريس : جميل طيب تحب تقدس ؟
نور : إزاى
موريس : أنا مستعد أجبلك دعوة لزيارة " القدس " ، وسهل جداً إنك تسافر من بلجيكا ، أفتكر دي هـ تكون فرصة العمر بالنسبة لك قلت إيه ؟
نور : أكيد طبعاً فرصة العمر , بس أنا يوم ما اروح مش هـ اروح لوحدي
موريس : خلاص ممكن والدك يزورك هنا في بلجيكا ويسافر معاك للقدس
نور : أنا مش قصدي على والدي أنا ب اتكلم عن " شمس "، " البابا شنودة " قالها من زمان مش هـ ادخل القدس إلا وانا إيدي فى إيد شيخ الأزهر ، وأنا مش هـ اكون أحسن من " البابا شنودة " ، ويوم ما أدخل القدس هـ ادخلها مع " شمس "
موريس : معنى كده إنك مش هـ تروح " القدس " ، " شمس " مش ممكن يقبل انه يسافر هناك
نور : ليه افترضت أنه شيء مستحيل ؟ ، حتى لو ما دخلناش القدس النهارده يمكن بكره أو بعده أولادنا أو أحفادنا يدخلوها ، وزي ما قال " السادات " القدس كل الأديان والا رأيك إيه " موريس " .
صمت " موريس " ولم يرد ، لكنه كان يتقطع غيظاً من كلمات " نور " وتمسكه " بشمس " وحبه له إلى هذه الدرجة ، بل مُندهش من الترابط الذي يجمع المسلم والمسيحي في مصر ، فهل كل ما يُثار عن الفتنة الطائفية مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة ، لكن لم يكتفي " نور " بهذا الرد ، فكانت الصدمة الكبرى " لموريس " عندما تجمع " نور مع شمس وميشال وموريس " بمطعم المحروسة الذي يديره " نور " لتناول العشاء بعد انتهاء مراسم الاحتفال
نور : على فكرة يا " شمس " فيه دعوة من " موريس " لزيارة " القدس " علشان أروح أقدس هناك وأنا قلت مش هـ روح من غيرك
شمس : فكرتني بكلمة " البابا شنودة " لما اتوجهت له دعوة لزيارة القدس
نور : طبعاً، لسه قايلها " لموريس " " البابا شنودة " كان رمز لينا في التدين والوطنية
موريس : جميل الحب والترابط بينكم ، لكن هذا لا ينفي وجود فتنة طائفية في مصر
نور : الفتنة الطائفية دي بالضبط زى الكائنات الفضائية ، كثير بيتكلموا عنهم ويعملوا عنهم أفلام ، لكن لما تدور عليهم في الواقع ما تلاقيش
ميشال : لماذا تتحدثون بالعربية هل هو حوار خاص
نور : " ميشال " نحن نتحدث عن الفتنة الطائفية في مصر
ميشال : كنت أتخيل هذا ، لكن الواقع أنني ظننت " نور " مسلما من فرط الترابط الشديد بينه وبين " شمس " ، حتى في تماثل العادات والتقاليد ، كأنهما أخوان وليسا صديقان ، اكتشفت أن مصر ليس بها فتن طائفية كما يُظهرها البعض
نور : هذا ما كنت أقوله بالعربية
موريس : حسناً، لا أعلم متى سيتحقق حلمكما بزيارة " القدس " معاً ولكن كما تحبان
شعر " نور وشمس " أن " موريس " يحاول الصيد في " الماء العكر " ويحاول إشعال النار في الهشيم معتقداً أن " نور " سيلهث وراء هذا العرض وتحدث الفُرقة والوقيعة بين الصديقين ، لكن من الواضح أن الاثنين مُركب واحد لا يستطيع أحد فصل عنصرية ، وأن الفتنة الطائفية ليست حاضرة على أرض الواقع
كان هذا الموقف كفيلا بابتعاد " موريس " عنهما فما يشعر به تجاه " شمس " أصبح يشعره تجاه " نور" ، والغريب أنه دائماً يشعر بالنبذ والاضطهاد تجاه اليهود ، ولا يدرك أن تلك المواقف إنما هي نتاج أفعال اليهود أنفسهم ، التي يثيرون بها الفتن , وينشرون المُغالطات التاريخية , ويلوُون ذراع الحقائق
دارت عجلة العمل بالفندق منذ أول يوم له , وأصبح في مقدمة الفنادق البلجيكية ، بجهد الأصدقاء الثلاثة ، " نور " كان يُقسم وقته ما بين مطاعم المحروسة بمصر وفرعها في بلجيكا ، أما " شمس " استقر مع " ميشال " في بلجيكا , وتفرغا لإدارة رمسيس .
ظل " شمس " في بلجيكا يتابع أخبار مصر التي تأخذه تارة إلى عنان السماء , وتارة إلى باطن الأرض ، ولم تختلف مشاعر ه كونه البعيد عن أرض مصر عن مشاعر " نور " الذي يقضى نصف وقته في مصر , والنصف الأخر في بلجيكا ، وهكذا مشاعر الكثيرين ، فكم طارت قلوب جموع المصريين فرحاً في الخامس من أغسطس 2014 عندما أطلق الرئيس السيسي شرارة البدء في حفر قناة السويس ، وكم دمت قلوبهم مع كل تفجير ، وكل استهداف للجنود المصريين ، وكأن مصر كُتب عليها السواد والحداد الطويل ، ففي الوقت الذي يصرخ فيه العالم كله من الإرهاب ويتعاطف مع ضحاياه ، نجد رد فعله تجاه الإرهاب في مصر لا يزيد عن كونه سطرا في شريط إخباري ، لكن الإرهاب في 2015 أخذ طابعا جديدا ، طابعاً مرعباً فيما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" كان الجميع في أوروبا ينظر إلى هذا التنظيم على أنه تيار إسلامي مُتطرف ، أما " نور وشمس " وغيرهم من العرب فكانوا يتفقون على حقيقة واحدة , إنه تنظيم مُمول لتفتيت الدول العربية ، ليس له أي شأن بالإسلام والمسلمين ، وعندما يُثار الحديث عن " داعش " كان " نور" يسبق " شمس " بالرد فيردد المقولة الشهيرة التي سمعها من البابا تواضروس " الأديان تتوافق ولا تتطابق "، بمعنى أن جوهر الأديان واحد ، لا يدعوا لشر ، وأن ما يحدث فعل شيطاني من بشر باعوا دينهم وإنسانيتهم للشياطين ، بل أن ما يفعلوه يعجز عنه الشيطان نفسه .
مضى يومان على حفل الافتتاح وفي يوم الاثنين الثالث من يناير2015 وجد " نور " اتصالا من والده " القسيس ملاك " وهو في غاية الحزن على غير العادة ، يسأله عن أي أخبار سمعها حول اختطاف أقباط مصريين في ليبيا ، لم يكن " نور " قد سمع أي أخبار بهذا الشأن ، حاول والده أن يطمئنه ويقول له إنها مجرد شائعات تتردد لكن القلق انتابه وشعر أن الأمر أكبر من ذلك بكثير .
نور : فيه إيه يا بابا ؟ أنا قلقت فيه حد نعرفه اتخطف ؟ ، إحنا ما لناش حد في ليبيا ، حد من أصحابك أو من شعب الكنيسة ؟
والد نور : الحقيقة يا ابني إنت عارف إني كل ما اكلم عمك ألاقي صوته مش عاجبني ، بعد ما سافرت قلت أزوره في البلد , حسيت إن مراته تعبانه وأحوالهم مش هي ، وكل ما اسأل يقولوا لي : إحنا بخير ، النهارده لقيت عمك بيتصل وبيبكي ، سألته فيه إيه ؟ قال لي بيحاول يتصل ب " أبانوب " التليفون مُغلق ، حاول يطمن عليه من واحد زميله هناك قاله أنه مخطوف مع عشرين واحد قبطي من زمايله في ليبيا
نور : إيه اللي وداه هناك وهو عارف الظروف في ليبيا ؟ " أبانوب " طول عمره عاقل , وبعدين هو مش محتاج
والد نور : ما هو دا السر اللي أخويا خباه عليا ، من مدة مراة عمك تعبت ، عمك ما أتأخرش عن علاجها ، اكتشف إن عندها المرض الخبيث ، بيقول لي مراتي أمنتنى ما اقولش لحد إن عندها المرض الوحش ، قلت له : ليه هي فضيحة ؟! مصر كلها عندها المرض ده ، المهم عمك صرف اللي وراه واللي قدامه , وما بقاش حيلته حاجة , وطبعا الظروف المادية بقت صعبة , وانت عارف " بيشوي " أخويا وعزة نفسه هو وابنه ، اضطر " أبانوب " يدور على شغل , بعد ابوه ما باع الأرض ما لقاش غير إنه يسافر ليبيا
نور : ليبيا يا ابويا ، " أبانوب " يضحي بحياته ، وأنا عندي مطاعم في مصر وبلجيكا ، ما قاليش ليه ؟ أنا كنت هـ اطلبه علشان يشتغل معايا ويشيل عني الحمل شوية , استعجلت ليه يا " أبانوب "
والد نور : أومال لما تعرف أجره هناك 2000 جنيه ، " أبانوب " سافر للموت علشان 2000 جنيه
نور : ليه هو يسافر علشان 2000 جنيه وانا عندي الخير ده كله وما اعرفش , إحنا السبب يا ابويا , كان لازم نضغط عليهم علشان نعرف مالهم , وكان لازم اقرب من " أبانوب ", لكن انا اللي بعدت عنه
والد نور : يا ابني أنا أدرى منك ب اخويا وابنه ، مخ صعيدي ناشف , وكرامة ما لهاش حدود ، المهم دور عندك يمكن الجرايد عندكم تقول حاجة , أو تعرف حاجة مخبينها هنا
نور : أنا لازم انزل مصر دلوقتي
والد نور : غلط إنت هتيجي تعمل إيه غير الانتظار ، والانتظار وحش يا ابنى , شوف حالك , يمكن تعرف عندك شيء إحنا ما نعرفوش
حاول " نور " أن يعرف من الصحف والفضائيات أي أخبار عن المصريين المختطفين ، لكن كلها أنباء اختطاف " داعش " لثلاثة عشر من المصريين الأقباط وكان اسم " داعش " وحده كفيلا بإشعاره أنها بالفعل نهاية ابن عمه " أبانوب "
مضى يومان ولا توجد أي أخبار جديدة ، و" نور " على اتصال دائم بوالده , لكن أخبار مصر لا تختلف عن أخبار بلجيكا ، وفى يوم الخامس من يناير2015 نشرت أحدى الصحف المصرية أن المختطفين واحد وعشرين مصريا ، وان السلطات المصرية تشكل خلية أزمة لمتابعة أحوال المصريين هناك ، وقتها تأكد " نور " من صدق ما قاله زميل " أبانوب " أنهم بالفعل واحد وعشرين مختطف وليسوا ثلاثة عشر كما ذُكر سابقاً ، لكن هذا نفسه كان تأكيداً لمخاوفه ، ولا أحد يعرف ما هو حال " أبانوب " وزملائه ، هل هم أحياء أم تم اغتيالهم ، أما والد " نور " فكان دائما يحثه على البقاء في بلجيكا , ومباشرة عمله , ومتابعة الصحف .
كانت الأيام تمضى ببطء , ومحاولات أهالي المختطفين لا تتوقف ، كذلك محاولات بعض أقاربهم من المُنتمين إلى بيت العائلة المصرية ، الجميع يبذل المساعي مع الدولة للوصول إلى أي خيط للخاطفين , ومحاولة التفاوض معهم من خلال مشايخ القبائل في ليبيا ، الذين كانوا يؤكدون دائما أنهم لازالوا على قيد الحياة .
وفي اليوم الخامس والعشرين من يناير 2015 تعلن " داعش " عن اختطاف طيار أردني وتطالب بالإفراج عن الإرهابية " ساجدة الريشاوي " في مقابل الإفراج عن الطيار ، كانت الإرهابية عراقية الجنسية ، زوجة أحد المنتمين لتنظيم القاعدة ، قامت بتفجير ثلاثة فنادق بعمان عام 2005 , منهم فندق " راديسون ساس " وهو واحد من سلسلة فنادق " راديسون الشهيرة "، محكوم عليها بالإعدام منذ عشر سنوات بعد إلقاء القبض عليها ومحاكمتها من السلطات الأردنية .
بات العالم كله يتابع تداعيات خطف الطيار الأردني " معاذ الكساسبة " ومعه رهينتين يابانيتين تم إعدام أحدهما , وبقي الآخر تُفاوض عليه " داعش " مع " معاذ " لمبادلته بساجدة ، ثم منحت " داعش " " الأردن " مُهلة لتسليم ساجدة ، وفي يوم الأربعاء 28 يناير2015 خرج وزير الدولة لشئون الإعلام الأردني يعلن قبول الأردن تسليم " ساجدة " بعد التأكد من إطلاق سراح الطيار " معاذ " حتى انتهت المُهلة وهي غروب شمس الخميس 29 يناير2015 مما دعا إلى تظاهر المئات بمدينة " الكرك " وهى المدينة التي ينتمي لها " معاذ " بحكم مولده فيها .
كانت لحظات الانتظار مريرة على أسرة " معاذ " وأسر المصريين المختطفين أيضا ً، أما عن " معاذ " فكانت النهاية يوم 3 فبراير2015 عندما نشرت " داعش " فيديو بشعا لحرق " معاذ الكساسبة " ، بل يعلنون أيضا عن استدلالهم لتنفيذ حكم الحرق بأن " أبي بكر " و " خالد بن الوليد " قاما بحرق الناس أحياء ، مما دعا دار الإفتاء المصرية للرد الشرعي ببطلان تلك الروايات من ناحية السند ، وبما هو مذكور في البخاري نفسه أنهم أناس مُنكرون الحديث أي لا يؤخذ عنهم ، لكنه ذكر الرواية وشهادته ببطلانها فقط للتوثيق ، وفي اليوم التالي تم تنفيذ حكم الإعدام " لساجدة الريشاوي " انتقاماً " لمعاذ " .
استقر في قلب " نور " وغيره من أهالي المصريين المُختطفين أن الأمل قد يكون ضعيفا جداً في نجاتهم من أناس لا تعرف دينا ولا رحمة ولا إنسانية ، أما المساعي فقد أصبحت جاهدة لتفادي المصير المشئوم الذي رأوه " لمعاذ الكساسبة "، ساعات تمر كدهر من الخوف والترقب ، وشعور بالذنب يعتصر قلب وعقل نور ، كان بوسعه تغيير الواقع لو مد يد العون " لأبانوب " قبل سفره ، أما والده فكان دائم التثبيت له بأن مشيئة الله نافذة ولا يمكن تغييرها .
بدأ نور في البحث عن أي وسيلة للوصول لخيط واحد يعطيه الأمل ، كان يعلم أن " لميشال " دائرة علاقات كبيرة وهامة في أوروبا كلها , فناشده مساعدته للبحث عن أي معلومات للتفاوض مع " داعش "، وكان " ميشال " مرحباً بتقديم أي مساعدة لإنقاذهم .
بذل " ميشال " عدة مساع مع مسئولين بلجيكيين وفرنسيين من العاملين في الخارجية ، لكن كانت إجابتهم أن إرهابيي ط داعش " يبدءون بالتفاوض على قضايا تبادل أسرى , ليس للتبادل الفعلي ولكن من باب حرب الأعصاب ، ثم ينتهي الأمر بإظهار فيديو التخلص منهم ، وهذا بحد ذاته يعنى أنهم قد لا يكونوا على قيد الحياة ، شعر " نور " بالألم وتردد كثيراً أن يذكر لوالده ما عرفه لكن ما جعله يبادر بإخباره هي معرفته بمدى تسليمه لقضاء الله وروحه الإيمانية المُرتفعة ، فكان رد والد " نور " أنها مشيئة الرب فقد تحمل المسيح الصلب والعذاب وهكذا علينا أن نتحمل كمسيحيين .
في يوم الخميس الثاني عشر من فبراير2015 تتناقل وسائل الإعلام نقلاُ عن مواقع " داعش " صوراً للمصريين المُختطفين من بينهم " أبانوب " وهم يظهرون ببدلة الإعدام , وكل واحداً منهم يُمسك به داعشي ، أطوال قامة هؤلاء " الدواعش " تختلف عن أطوال المصريين ، يلبسون ثيابا سوداء، مُلثمين ، يرتدون ساعات رولكس أمريكية ، وخناجر أمريكية ماركة كولومبيا ، أما المصريين فيلبسون ملابس زي الإعدام البرتقالي الذي يشبه زى غوانتانامو .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق