الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

الإخراج الفني والإعداد: الاستاذ محمد صابر أبو العلا

الإخراج الفني والإعداد:
محمد صابر أبو العلا


مع خالص شكري وتقديري 
للجهد الكبير والتشجيع والدعم المخلص
من الاستاذ محمد صابر
أستاذ التعليم الصناعي بالتربية والتعليم سابقاً
وشريك أغلب الاعمال الادبية 
لادباء وشعراء بورسعيد

دار الاسلام للطباعة والنشر


خالص الشكر الى 
الاستاذ ايمن عيد مالك ومدير 
دار الإسلام للطباعة والنشر ـ المنصورة
01222614363   ــ   0500266220

Ayman_ eid_74@yahoo.com

لما يبذله من جهد في اخراج مطبوعات المكتبة في أفضل صورة 
وتعاونه الدؤوب لتقديم رسالة ثقافية للمجتمع

قصيدة اسلمى يا مصر

للشاعر مصطفى صادق الرافعي

اسلمى يا مصر إننى الفدا 
ذى يدى إن مدت الدنيا يدا
أبدا لن تستكينى أبدا
إننى أرجو مع اليوم غدا

ومعى قلبى وعزمى للجهاد
ولقلبى أنت بعد الدين دين
لكى يا مصر السلامة
وسلاما يا بلادى

إن رمى الدهر سهامه
أتقيها بفؤادى
واسلمى في كل حين
أنا مصري بنانى من بنى

هرم الدهر الذى أعيا الفنا
وقفة الأهرام فيما بيننا
لصلوف الدهر وقفتى أنا

في دفاعى وجهادى للبلاد
لا أميل لا أمِل لا ألين
لكى يا مصر السلامة
وسلاما يا بلادى
إن رمى الدهر سهامه
أتقيها بفؤادى
واسلمى في كل حين

ويك يا من رام تقييد الفلك
أى نجم في السما يخضع لك
وطن الحر سمًا لا تمتلك
والفتى الحر بأفقه ملك

لا عدا يا أرض مصر بكى عاد
أننا دون حماكى أجمعين
لكى يا مصر السلامة
وسلاما يا بلادى
إن رمى الدهر سهامه
أتقيها بفؤادى
واسلمى في كل حين

للعلا أبناء مصر للعلا
وبمصر شرفوا المستقبلا
وفدًا لمصرنا الدنيا فلا
نضع الأوطان إلا أولا
جانبى الأيسر قلبه الفؤاد
وبلادى هى لى قلبى اليمين
لكى يا مصر السلامة
وسلاما يا بلادى
إن رمى الدهر سهامه
أتقيها بفؤادى
واسلمى في كل حين

مقدمة كتاب لستم أحفادي


مجموعة قصصية ، بدأت بقصة قصيرة كُتبت في يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2010 ، لقد كانت أحوال المصريين لا تنذر بخير في جميع نواح الحياة ، الأحوال المعيشية متدنية ، الأمراض الخطيرة متفشية ، خاصة بعد ما عُرف بصفقة الحبوب المُسرطنة ، وتلوث مياه الشرب ، وانتشار عدوى فيروس سي ، مع وجود رعاية صحية مُتدنية ، القمامة أصبحت أهم معالم الشوارع المصرية ، وسط كل هذا كانت أرواح الكثيرين تطوق إلى الماضي بكل ما فيه من رقي ، وعظمة ، وراية خفاقة لوطن كان ملء السمع والبصر ، لكن هيهات أن تنعم بتلك الاستراحة والفسحة التاريخية ، ستسمع أصواتا عالية تقول لك احترس لسنا أحفاد الفراعنة ، فماذا سيحدث لو أستيقظ الفرعون من رُقاده وشاهد أحوال مصر؟! ، بلا شك سيقول لنا  " لستم أحفادي " .
الفراعنة في أذهان البعض ما هي إلا مجموعة من البشر كونوا جيشا يرأسه الفرعون ، راكباً عجلته الحربية ,لا يفعل شيء سوى المعارك ، فتلخصت الحضارة الفرعونية في معارك , وأهرامات , وتمثال كبير قابع إلى جوارهم ، فضلاً عن المعابد , والتماثيل , والمسلات ، أما القيمة الإنسانية والعلمية لتلك الحضارة , فلا يعلم أحد عنها شيئا . 
رؤية مبتورة , ساهمت في صناعتها المناهج الدراسية المعتمدة على حشو أذهان الطلاب بعدد من تواريخ المعارك , وأسماء أهم الآثار المصرية , دون التطرق إلى القيم الإنسانية لهؤلاء البشر , ومدى تفوقهم وريادتهم في سائر العلوم والفنون ، رؤية مبتورة , ساهم في صناعتها أيضاً العاملين بالحقل الفني والثقافي , حتى باتت تلك الحضارة مُهمشة ، وأصبحنا نصفق لاختراعات الغرب التي تكون في كثير من الأحيان مستوحاة من حضارتنا القديمة ، رؤية ترسخت في ذهن المواطن المصري فبات شاعراً بالضآلة وهو صاحب حضارة تصل إلى ستة عشر ألف عام مثبتة علمياً لدى علماء المصريات ، وليس سبعة آلاف عام كما يزعم البعض . 

وبهذا كانت القصة الأولى في هذا الكتاب عن المصري المعاصر , عندما يقف في مواجهة مع الماضي البعيد ، مواجهة خلفت شعوراً بالمرارة والألم لما وصل إليه حال مصر وأبنائها .
وتمضى أحداث القصة التي ساقتها أقدار الواقع إلى أن يقف الفرعون ذاته شاهداً على أحداث ثورة 25 يناير ليلة جمعة الغضب، ثورة على كل الأوضاع التي رفضها عقل الفرعون ، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن أن يشهد الفرعون تحطيم التاريخ والتراث وسرقته ونهبه ، خزائن تتكسر، جماجم تلقى على الأرض تدهسها الأقدام ، فماذا يكون مستقبل أمة لا تعرف قيمة ماضيها ، فتتساقط دموع فرعون مصر حزناً وأسفاً على أحفاد تدمر التاريخ وتبيع إرث الأجداد بثمن بخس لأعداء الوطن ، فلازالت روحه تصرخ  " لستم أحفادي " .
لكن أبناء الوطن الشرفاء لا ينضبون، فيظهر الشباب الشريف الذي يقف حائطاً بشرياً لحماية تراث الوطن، ويظهر البطل المصري الأثري " محمد عبد الرحمن " ليُعيد الآثار المنهوبة ، ولأن السعادة دائما لا تكتمل في مصر تغفل الدولة عن تكريم " محمد عبد الرحمن "، يوم زيارة رئيس الوزراء " عصام شرف " لوزارة الداخلية لتكريم ضباط شرطة الآثار، ومن خلال مساعي العاملين بالحقل الأثري تم تكريم هذا البطل بجامعة الدول العربية لكي لا يغضب الفرعون مرة ثالثة ويقول لنا  " لستم أحفادي " .

ونتوقف طويلاً في قصة  "شارع رمسيس" والتي سميت بذات اسم الشارع القاهري والذي يقع في امتداده متحف الآثار المصرية ، وعلى جانبي طريقه الكثير من المحال تحمل أسم الشارع، بهذا الشارع يعيش أبناء مصر المحروسة ممن يطلق عليهم أولاد البلد، منهم التاجر والموظف، ورجل الدين، ومنهم أيضا أحد العاملين بالقطاع السياحي من الذين أثرت الثورة تأثيراً بالغاً على أحوالهم المادية والمعيشية ، فيضطر إلى مغادرة البلاد ، وفى الخارج سرعان ما ينجح المصري وتتجلى حقيقة معدنه النفيس فيظهر عملاقا شامخا ، أبهر العالم بحضارته الفرعونية والإسلامية ، عندما كان دارساً وباحثاً متمكناً ظهرت عظمة الإنسان المصري على سائر جنسيات العالم .

ثم نتوقف في المحطة الأخيرة عند قصة "  ماريونيت  " التي تروى لنا عن واقع مفزع نعايشه , ومشاهد مروعة أصبحت مفروضة علينا وعلى العالم من بعض شرار البشر ممن يسمون " داعش " , يدعون أنهم يملكون صحيح الإسلام ، وكأن الله لم يهد سواهم ، نتوقف عند تشويه الإسلام والعمل ضده تحت راية الإسلام ، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فتنتفض مشاعر من تمسكوا بسماحة ووسطية الإسلام , وهدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقولون ما هذا بإسلام ، بل انتفض التاريخ كله بسائر عصوره ، بل بكل من فيه من عظماء المسلمين ، ليبعثوا لنا برسالة واحدة مفادها كلمتان " لستم أحفادنا " 

أيها الإنسان المصري المعاصر ، الفرعون يصرخ ويقول لك " لستم أحفادي " دون أن ينتظر أن يسمعها هو منك 
أيها الإنسان المسلم المعاصر، رموز التاريخ الإسلامي ينتفضون ويقولون لك " لستم أحفادنا  " فلا تتحدثوا عنا

والآن عليك أن تقرأ أولاً لتعرف من أنت , وماذا تريد أن تكون ، عليك أن تقرأ التاريخ ، تاريخ مصر ، وتاريخ الإسلام ، فإما أن تصبح إنسانا يفخر به أجداده , وإما تصبح ملعوناً منهم ، تسير في ظلمات تتخبط فيها، وتُذكر ملعونا في صفحات التاريخ
                                                                                                                                                                                                                                            ناني محسن      
14مارس 2015 الساعة 7 مساء 

قصيدة وطني

لشاعر النيل حافظ ابراهيم
---------------------------

كـم ذا يُـكـابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي فـي حُـبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّـــاقِ
إِنّـي لَأَحـمِـلُ في هَواكِ صَبابَةً يـا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطــواقِ
لَـهـفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً يَـحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقـــي
كَـلِـفٌ بِـمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ بِـالـبَـذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفــــاقِ
إِنّـي لَـتُـطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً طَـرَبَ الـغَـريبِ بِأَوبَةٍ وتَلاقــي
وَتَـهُـزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَدى بَـيـنَ الـشَمائِلِ هِزَّةَ المُشـــتاقِ
مـا الـبـابِلِيَّةُ في صَفاءِ مِزاجِها وَالـشَـربُ بَـينَ تَنافُسٍ وَسِبـــاقِ
وَالشَمسُ تَبدو في الكُئوسِ وَتَختَفي وَالـبَدرُ يُشرِقُ مِن جَبينِ الساقـــي
بِـأَلَـذَّ مِـن خُـلُقٍ كَريمٍ طاهِرٍ قَـد مـازَجَـتهُ سَـــــلامَةُ الأَذواقِ
فَـإِذا رُزِقـتَ خَـليقَةً مَحمودَةً فَـقَـدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّـــ ـمُ الأَرزاقِ
فَـالـنـاسُ هَذا حَظُّهُ مالٌ وَذا عِـلـمٌ وَذاكَ مَــــــكارِمُ الأَخلاقِ
وَالـمـالُ إِن لَـم تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً بِـالـعِــــــلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
وَالـعِـلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ تُـعـلـيـهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخـــــفاقِ
لا تَـحـسَـبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ مـا لَـم يُـتَـوَّج رَبُّــــهُ بِخَلاقِ
كَـم عـالِـمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً لِـوَقـــــيـعَـةٍ وَقَـطيعَةٍ وَفِراقِ
وَفَـقـيـهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ لِـمَـكـــــيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ
يَـمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ كَـالــــبُـرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ
يَـدعـونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا أَنَّ الَّـذي يَـدعونَ خِــدنُ شِقاقِ
وَطَـبـيـبِ قَومٍ قَد أَحَلَّ لِطِبِّهِ مـا لا تُـحِـلُّ شَـــريعَةُ الخَلّاقِ
قَـتَـلَ الأَجِـنَّةَ في البُطونِ وَتارَةً جَـمَـعَ الـدَوانِقَ مِــن دَمٍ مُهراقِ

الفصل الأول - عودة رمسيس الثاني

كُتبت في يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2010 الساعة الواحدة ظهراً
و بعد مرور أربعة أعوام من القصة حدث خلالهم ثورتين 
لازالت كل المشاهد قائمة لم تتغير




" عودة رمسيس الثاني "
----------------------------

داخل متحف الآثار المصرية بميدان التحرير، وقفت أمام مومياء رمسيس الثاني ، أتأمل هذا الملك العظيم ، شعرت بالتعب ، جلست على السلم لأرتاح قليلاً ، لا أعلم ماذا حدث ؟، ربما أُغشى علي ً، فجأة وجدت يداً تهزني ، تحاول إفاقتي ، فتحت عيناي فإذا بى ليلاُ وأمامي رجل في زي فرعوني ،  لا تشك عندما تراه أنه مِلكاً عظيماً من بهائه و شموخه 
من أنت ؟ 
قال : أنا رمسيس الثاني 
فزعت، قلت : كيف ؟ إن رمسيس الثاني مات من آلاف السنين !  
قال : بل أنا ... لقد عادت لي الحياة ، استيقظت من رقادي فوجدتك ترقدين على هذا السلم ، فحاولت إفاقتك ، قولي لي كم من الأعوام مرت على رقادي ؟  
قلت في ذهول : آلاف الأعوام ... ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام 
قال : كأنها مرت ساعات، هيا بنا 
قلت : إلى أين ؟ 
قال : إلى الخارج 
قلت : كيف ستخرج بزيك هذا ؟ لو رآك الناس لأودعوك مصحة الأمراض العقلية . 
قال : أنا رمسيس الثاني أودع في مصحة للأمراض العقلية ! 
قلت : ومن يصدق أنك رمسيس الثاني ؟ !  هل رأيت ميتاً عاد إلى الحياة من قبل ؟ 
قال : وماذا عليً أن أفعل الآن ؟ هل سأظل هنا راقداً في هذا التابوت ؟!
قلت : لا , ولكن لننتظر حتى الصباح، حتى نجد طريقة للفرار من هنا . 
ساعات مضت حتى أضاء نور الصباح أركان المتحف، فُتحت الأبواب في موعدها، تسللنا خارج الأبواب، جعلته يختبئ في مكان بعيد عن الأعين، تركته وسرعان ما عُدت إليه حاملة له ملابس عصرنا ليرتديها، ثم غادرنا المكان، انطلقنا إلى الشوارع 
ليرى رمسيس الثاني لأول مرة  مصر الحديثة . 
وطئت قدمانا الطريق، السيارات تمر مُسرعة، فينظر إليها رمسيس فزعاً متسائلاً ما هذا ؟ 
قلت : إنها عربات مثل عرباتكم، لكنها بدون خيول، عربات آلية، تعمل بالماكينات وزيت للوقود
قال : إذن هي من صنع أحفادي ؟ 
خجلت أن أقول الحقيقة لجدي،  فقلت : نعم يا جدي .
ثم انحدرنا إلى شارع جانبي، وجدنا أكواما من القمامة، نظر إليها الفرعون قائلاً : هكذا يصنع أعداء مصر ليشوهوا صورتها   
خجلت وقلت : نعم يا جدي .
قال : أما زالت مصر تقود العالم ؟، أما زالت فتوحات جيشنا مستمرة ؟  
خجلت أن أصدمه بالحقيقة فقلت : نعم يا جدي 
قال : ولماذا تتركون الأعداء يلقون بتلك القمامة في الطرقات ؟ 
قلت له : لا بأس إن جيشنا سيردعهم 
قال : حسناً .
وبعد خطوات قال لي : يا حفيدتي أريد مقابلة أطباء مصر 
قلت : ولماذا الأطباء ؟ 
قال : إن مصر مشهورة بأطبائها العظماء 
قلت : لا بأس، سنذهب لمقابلة الأطباء في أقرب مستشفى، لكن أرجوك لا تخبرهم أنك رمسيس الثاني 
قال : حسناً، لكن ما هي المستشفى ؟ 
قلت : إنها مصحة للشفاء، مبنى يسكنه المرضى، يتلقون فيه علاجهم ثم يخرجون منه بعد تماثلهم للشفاء
قال : وهل يوجد بهذه المستشفى أطباء متخصصين 
قلت : أطباء متخصصين !!! وهل تعرفون التخصصات الطبية يا جدي
قال : نعم، كان لدينا أطباء متخصصين ، فكل طبيب متخصص في علاج نوع واحد فقط من الأمراض ، فيوجد طبيب لعلاج أوجاع البطن ، وطبيب لعلاج أوجاع الأسنان ، وطبيب لعلاج أوجاع العظام ، وطبيب لعلاج أوجاع الرأس ، وطبيب لعلاج أوجاع العيون ، وهكذا كل طبيب يعالج المريض في تخصصه فقط .
قلت : عجيب، كل هذا في العصر الفرعوني 
قال : نعم يا بنيتي ، قولي لي هل تُجرون عمليات جراحية في هذه المستشفى 
قلت : عمليات جراحية !! كدت أشك أنك رمسيس الثاني ، وهل توجد لدى الفراعنة عمليات جراحية ، لا ... لا , مستحيل العمليات تحتاج غرف عمليات وآلات طبية وتخدير و ..... لا يمكن ، لا أصدق .
قال : نعم ، نعم , يوجد لدينا جراحات ، وآلات ، وتخدير ، مصر المملكة الوحيدة التي استطاعت إجراء جراحات بالمخ دون أن يتوفى المريض ، كان يعيش ويستكمل حياته بصحة جيدة ، كان لدينا متخصصين في علم التشريح ، وعلماء في التحنيط ، بنيتي ألم تدرسين تاريخ أجدادك ؟
خجلت أن أقول لجدي الحقيقة فقلت : إن ما درسناه مرتبط بإنجازات الجيش العظيمة , وبناء المقابر والمعابد ، لكن هذه الإنجازات الطبية سندرسها لاحقا 
قال : حسناً، لنذهب إلى المستشفى فأنا متشوق لرؤية أطباءنا العظماء 

ذهبنا إلى أقرب مستشفى ، طلبنا مقابلة الطبيب ، قالوا لنا : "مفيش دكتور، لو فيه حد تعبان استنوا ساعتين "  ، فإذا بنا نسمع صراخ الناس يلعنون المستشفى والأطباء .
قال جدي : وهل أُهين الطبيب المصري إلى هذا الحد ؟! مال هؤلاء ؟؟ ، 
قلت : إنهم مرضى السرطان ، سئموا من انتظار الطبيب ، وأحل بهم التعب
قال : وما السرطان 
قلت : مرض خطير أصاب الكثيرين  
قال : وما سببه  
قلت : الحبوب .... 
قال : أي حبوب ؟ 
خجلت أن أقول الحقيقة ، فقلت : أكلوا طعاما من الأعداء

خرجنا من المستشفى ، وجدنا شخصا يأكل الطعام من أكوام القمامة ، فنظر إليه ممتعضا قائلاً  : أمجنون هذا ؟ 
قلت : لا بل فقير 
قال : وكم فقير في مصر ؟ 
خجلت أن أقول الحقيقة، فقلت : ليسوا كثيرين 
قال : إذن كم عددهم ؟ 
قلت له : يا جدي لا تقلق كل شيء سيكون على ما يرام . 

ثم مشينا في طريق فوجدنا شاب على دراجة بخارية يخطف حقيبة سيدة,  فتصرخ مستغيثة ، فيصرخ رمسيس قائلا : أين جنودنا ليلحقوا به , إنه عدو يريد أن يُسيء إلى مصر ، أراكم تهاونتم مع أعدائنا حتى غرهم الصبر
قلت : إن جنودنا حتماً سيلحقوا به  . 

ثم مشينا في طريق أخر فوجدنا مُعاقين يتظاهرون، وآخرون يُطالبون بتغيير، وعمال يطالبون برفع الأجور، نظر إلى التظاهرات قائلاً : هؤلاء أيضاً أعداء  
قلت : لا ليسوا أعداء
قال : إذن أنت العدو، أنت من تريدين تشويه صورة المصريين في عيني ، أراك تُريني كل قبيح 
صرخت قائلة : كفاك يا جدي أنا كاذبة ، من صنع السيارات ليسوا مصريين، ومن ألقوا بالقمامة في الشوارع ليسوا أعداء بل هم مصريين ، ومرضى السرطان لم يأكلوا طعاماً من الأعداء ، بل أكلوا حبوبا تحمل المرض، أكلوا من زروع مصر، والأطباء لا يكترثون بالمرضى , والمتظاهرين ليسوا أعداء إنهم أصحاب حقوق ، إن مصر تغيرت فلم تعد الأمة الأولى في العالم 
قال : لم تعد الأولى ! فكم أصبحت ؟ الثانية   
قلت : لا  
قال : فماذا إذن ؟ 
قلت : لا أعرف المائة وربما أكثر 
قال : أكنت تكذبين ؟ 
قلت : نعم أنا كاذبة ..... كاذبة ..... كاذبة . 
فصرخ الفرعون قائلاً : " لستم أحفادي " .... " لستم أحفادي "، ثم ذهب بعيداً وهو يصرخ " لستم أحفادي " ..... وسرعان ما اختفى كأنة حلم تلاشى 
رجعت إلى المتحف فوجدته نائماً في لفافاته الكتان فبكيت بجانبه وقلت له : سامحني يا جدي لأني قلت لك الحقيقة،  سامحني، حقاً لسنا أحفادك .

قصيدة إزاي

إزاى
 للشاعر: نصر الدين ناجى


إزاى ترضيلى حبيبتى
أتمعشق إسمك و انتى
عماله تزيدى فى حيرتى وما انتيش حاسه بطيبتى إزاى ؟

مش لاقى فى عشقك دافع
ولا صدق فى حبك شافع
إزاى أنا رافع راسك و انتى بتحنى فى راسى إزاى ؟

أنا أقدم شارع فيكى
و آمالك م اللى باليكى
أنا طفل اتعلق بيكى فى نص السكه و توهتيه

أنا لو عاشقك متخير
كان قلبى زمانه اتغير
و حياتك لفضل أغير فيكى لحد ما ترضى عليه

ازاى سيبانى فى ضعفى
طب ليه مش واقفة ف صفى
وأنا عشت حياتى بحالها علشان ملمحش فى عينك خوف

وفى بحرك ولا فى برك
ازاى أحميلك ضهرك
وأنا ضهرى فى آخر الليل دايما بيبات محنى ومكشوف

أنا أقدم شارع فيكى
و آمالك م اللى باليكى
أنا طفل اتعلق بيكى فى نص السكة و توهتيه

أنا لو عاشقك متخير
كان قلبى زمانه اتغير
و حياتك لفضل أغير فيكى لحد ما ترضى عليه




كبير السابقين من الكرام





لامير الشعراء أحمد شوقي 
------------------------
أُحِبُّكِ مِصرُ مِن أَعماقِ قَلبي
                  
وَحُبُّكِ في صَميمِ القَلبِ نامي
سَيَجمَعُني بِكِ التاريخُ يَوماً
                  
إِذا ظَهَرَ الكِرامُ عَلى اللِئامِ
لِأَجلِكِ رُحتُ بِالدُنيا شَقِيّاً
                  
أَصُدُّ الوَجهَ وَالدُنيا أَمامي
وَأَنظُرُ جَنَّةً جَمَعَت ذِئاباً
                  
فَيَصرُفُني الإِباءُ عَنِ الزِحامِ
وَهَبتُكِ غَيرَ هَيّابٍ يَراعاً
                  
أَشَدَّ عَلى العَدُوِّ مِنَ الحُسامِ


الفصل الثالث - المساخيط





من كتاب لستم أحفادي بقلم ناني محسن : الفصل الثالث - المساخيط 

مقدمة القصة :
في يوم الخميس 17 مارس 2011 كانت زيارة الدكتور عصام شرف لوزارة الداخلية، ليكرم ضباط الوزارة على الجهد الذي بذلوه لاستعادة الآثار المسروقة من المتحف المصري، والقبض على اللصوص .
مشهد مهيب يحرك المشاعر، ويهز القلوب، رئيس الوزراء يكرم ضباط شرطة الآثار والسياحة لدورهم البطولي، الجميع سعيد، الجميع فخور ببطولة رجال مصر، شاشات التليفزيون تبث هذا المشهد العظيم لكن أين محمد عبد الرحمن ؟
محمد عبد الرحمن في منزل أحد الأصدقاء هارباً من منزلة مخافة بطش أهالي المجرمين به لا أحد يعرف عنه شيئا ، لا أحد يشعر بخفقات قلبه المرتعد , فغالباً ما يلعب دور البطولة أشخاص , ويكرم على عظمة الدور آخرين ، إلا أن البطل الحقيقي لا يُكرم لأنه يحظى بلقب " مسئول حكومي كبير " 
نُشرت القصة الحقيقية بجريدة اليوم السابع تحت عنوان " القصة الحقيقية لعودة الآثار المسروقة من المتحف المصري.. مفتش آثار شاب تنكر في شخصية تاجر آثار وعاش في رعب لمدة 14 يوماً ليعيد 12 تحفة فرعونية نادرة " كما نشرها موقع  " مصرس "  تحت عنوان  " قصة الشاب الذي أعاد الآثار المسروقة من المتحف المصري "
بالتأكيد لا نعرف شيئا عن حياة والد محمد عبد الرحمن، لكن محمد بلا شك ابن أجيال من الأثريين أمضوا حياتهم في البحث عن آثار وتراث مصر فبدده آخرون , وأضاعوا تراث مصر وعناء هؤلاء الجنود المجهولين 



 " المساخيط "
----------------------------------





كان يوم جمعة الغضب يوم عصيب دام ، ارتفع فيه صوت الثوار وارتفع سقف مطالبهم لدرجة لم تخطر على بال الكثيرين ، فمن كان يتخيل أن شباب مصر يطالب بإسقاط النظام ، نظام ذو صولجان يأمر فيطاع ، ومن كان يملك القدرة لكي يسير بجوار أسوار قصر الرئاسة حتى يتجرأ ويطالب بإسقاط الرئيس ذاته .
الآن خرج الشعب عن صمته , وبات النظام يترنح بسقوط أول قطرة دماء من الشباب الثائر ، بسقوط أول ضحية منهم ، الجميع يتطلع لمصر جديدة حرة عظيمة شامخة , يضاهى عظمة حاضرها ومستقبلها عظمة ماضيها البعيد .

في إحدى شركات السياحة المقابلة لمتحف الآثار المصرية جلس الشاب  " محمد عبد الرحمن توفيق " ، الشاب المصري الأصيل ، يُطل من نافذته على المتحف المصري ، يتابع في قلق شديد ما يحدث في مصر ، لكنه يتابع بقلق أكبر ما يحدث بالمتحف المصري ، خاصة بعد انسحاب الشرطة وحراس المتحف , وتركه  بلا حراسة .
دقات قلوب المصريين كانت مرتعدة خوفاً وقلقاً على المستقبل ، أما قلب " محمد " كان مرتعداً قلقاً على الماضي أكثر من المستقبل ، الماضي العظيم الذي ارتبط به " محمد عبد الرحمن " من خلال عمله " كمفتش آثار " بالمجلس الأعلى للآثار صباحا ُ، مهمته الحفاظ على الآثار من التعديات والسرقة ، والاشتراك في أعمال الحفر للتنقيب عن الآثار وتوثيقها بالمجلس ، أما في المساء فهو يتغلب على أعباء المعيشة بعمله الخاص كموظف بشركة السياحة التي تقع في مبنى مقابل للمتحف المصري ، يقوم بدورة في جذب السياحة الأجنبية لمشاهدة عظمة هذا الماضي وآثاره التي لا تُقدر بثمن ، نعم " محمد " شاب يعرف جيداً قيمة كل قطعة أثرية موجودة داخل هذا المتحف ، لقد طُبعت كل قطعة داخل عقله وقلبه ، يعرف تاريخها ، تعرف عينه وأنامله تفاصيلها ، وبحجم معرفته وإدراكه لقيمة تلك الآثار كان قلقه على هذا التراث العظيم الذي يقف وسط الأحداث مكشوف الظهر ،  خاوي اليدين ،  أعزل في متناول المارة واللصوص . 

وبالفعل حدث ما كان يخشاه محمد ، لقد اقتحم اللصوص والبلطجية أعظم متحف في العالم بل في التاريخ بأسره , ليحملوا منه أنفس وأعظم ما به من قطع أثرية ، وقتها فقط تذكر " محمد "  والده المصري الصعيدي الأصيل الذي قضى عمره في جولات التنقيب عن الآثار والمقابر الفرعونية ، يعرف تاريخ كل مقبرة وما تحمله من كنوز ، رافق في رحلة عمره أعظم علماء ومكتشفي الآثار من المصريين والأجانب ، وتوفي عقب اكتشاف أثري لمقبرة فرعونية ، قيل بعدها أن لعنة الفراعنة أصابته ، والحقيقة أنه أصر أن يكون أول من يدخل لتلك المقبرة المغلقة من آلاف السنين ، كان هذا الهواء الذي أستنشقه عند دخوله هو سبب وفاته ، فغلق المقبرة آلاف السنين يؤدي لفساد الهواء بداخلها وقد يودى بحياة أول من يدخلها ويستنشق هذا الهواء الفاسد ، وفق ما ذكر الأطباء عن تفسير أسباب الوفاة , فكيف يُفرط " محمد " فيما دفع والده حياته من أجله ، هكذا اندفع  " محمد " تاركاً مكتبه بالشركة يقفز سلالم المبنى قفزا ً، يعبر ميدان التحرير حتى يصل إلى باب المتحف ليحاول إيقاف هؤلاء اللصوص والبلطجية ليثنيهم عن اقتحامه ، لم يكن " محمد " الوحيد في تلك اللحظة الذي يحاول دفع اللصوص ، بل وجد شبابا جامعيا مخلصا محبا لتراث مصر ، لكن مع الأسف غلبت قوة اللصوص المُسلحين قوة " محمد  " وغيره من الشباب الطاهر النقي .

وبالفعل اقتحم اللصوص المتحف ، نهبوا ، حطمو ا، كسروا ، حتى الجماجم المُعدة للبحث العلمي ألقوها وحطموها ، فقد اغتنموا ما خف حمله وغلا ثمنه ، كسروا خزائن العرض الزجاجية ،  حطموا عددا من التماثيل ، والشباب بالخارج يحاول الاستنجاد بالجيش , وجمع أكبر عدد لعمل حائط بشري ، وحينما أزداد العدد فر اللصوص من الأبواب الخلفية بما استطاعوا أن يغتنموه من خيرات التراث ، بعد أن خافوا أن تغلبهم كثرة عدد الشباب الذين تجمعوا بالخارج يريدون الفتك بهم .

عاد " محمد " بعد أن أقام الشباب المصري الحر الشريف حائطا بشريا حول المتحف بأكمله ، وحضرت قوة من الجيش تسلمت المتحف من الشباب ، وقد لاذ اللصوص بالفرار بعد أعمال السرقة والتحطيم .
عاد " محمد " وقلبه يتألم حسرة وحزنا على تراث مصر ، وعلى وفاة والده ، كيف يدفع والده حياته مقابل كشف أثري ويأتي لص يسرقه بهذه السهولة ، وتصبح الآثار كدمية ملقاة في الطرقات تعبث بها الأيدي والأرجل 

مضت أيام وسمع " محمد " رنين هاتفه المحمول ، أنه اتصال من صديقه " عاطف "، كان " محمد " يتخيل أن الاتصال للاطمئنان علي أحواله في هذه الأيام التي يحصد فيها الموت زهرة شباب مصر ،  لكن الحقيقة تأتى على غير توقعه , فقد طلب " عاطف " مقابلة " محمد " في مقهى قريب من الشركة لأمر هام وعاجل ، فذهب " محمد  " لمقابلته .
عاطف : احنا طول عمرنا أصحاب واخوات ، وأنا عاوزك في مصلحة ، لو تمت هيبقى فيها خير كتير قوي 
ثم أخرج " عاطف " تليفونه المحمول وقام بتشغيل " فيديو " لمجموعة آثار مكونة من تماثيل أثرية , وتمائم , وقلادات , وعرض الفيديو أمام " محمد "  
محمد : جبت الحاجات دى منين ؟ 
 عاطف : الحاجات دى موجودة عندي ، وعاوزين نتصرف فيها 
محمد : الآثار دى تقليد مش أصلي ، كانت موجودة في بيت الهدايا و            بيشتريها السواح
عاطف : تقليد مين يا راجل يا طيب  , دى الحاجات اللي كانت في المتحف نفسه آثار أصلى ، إيه يا عم أومال لو ماكنتش مفتش آثار ودايس في الليلة ، هي ولا مش هي 
محمد : صح هي
عاطف : يعني عارفها كويس ؟
محمد : أكيد طبعاً , إلا عارفها 
عاطف : دى حاجات منها ، وعاوزين نشوف لها صرفة 
محمد : لأ ...  حرام عليك إحنا لازم نحافظ على آثار بلدنا
عاطف : خلاص كبر دماغك يا عم ، ولا انا شفتك , ولا انت سمعت مني حاجة
محمد : طيب ممكن تبعتلي الفيديو ده بلوتوث 
عاطف : حاضر على العموم , الفيديو معاك , وفكر واحسبها كويس , وعلى العموم انت أولى بالمصلحة دى من الغريب 

وبالفعل حصل " محمد " على مقطع الفيديو الخاص بالقطع الأثرية المسروقة ، ثم تركه صديقه وانصرف ، وظل " محمد " في حيرة هل يصمت وتضيع آثار مصر ، كلا مستحيل ، لكن كيف يتصرف هل يبلغ الشرطة عن صديق ، لكن ربما علم صديقه ولاذ بالفرار وضاعت الآثار ، كان أكثر ما يؤلم " محمد " هو صدمته في صديقه ، فكيف بعد هذه السنين يكتشف أنه صديق لص خائن يبيع آثار وطنه بأبخس الأثمان ، بل كيف يُصور له عقله أن يكون شريكا له في هذه الجريمة ، لكن ربما لحسن حظ مصر المحروسة أن يتوقع " عاطف " أن يشاركه " محمد " تلك الخيانة لكي تكون هناك فرصة لاستعادة هذه القطع مرة أخرى . 

وبعد تفكير قرر " محمد " أن يذهب في الصباح الباكر إلى مقر المجلس الأعلى للآثار بالعباسية لمقابلة  " الدكتور رمضان البدري "، مدير إدارة التوثيق الأثري ، ليستشيره في الأمر ربما يجد عنده ما يريح ضميره , و يمكنهم من استعادة الآثار المسروقة ، وكان اقتراح " الدكتور البدري " هو أن يذهبا إلى " طارق العوضي " مدير المتحف المصري ليعرضا عليه الأمر ويطلبا مساعدته .

وصل " محمد عبد الرحمن " "ورمضان البدري " إلى مكتب مدير المتحف المصري وأخبروه بالأمر، وعرضا له فيديو القطع المسروقة ليطابقوا هذه القطع ببيانات وصور القطع المسروقة بالفعل ، فتأكدوا من تطابق القط ، وهنا كان رأى " العوضي  " أنه لا مفر من اللجوء إلى شرطة الآثار واتخاذ الطريق القانوني .
وبالفعل توجهوا جميعاً إلى مكتب شرطة الآثار الملحق بالمتحف ، وأبلغوا قيادات الشرطة بالأمر ، وهنا دار حوار بين " محمد " وبين أفراد الشرطة .
الضابط أنور : سأل " محمدا  "باستهتار :  عاوز كام علشان ترجع الآثار دى؟  
محمد : بعد أن ظهر علي وجهه علامات الغضب   أنا مفتش آثار مش تاجر , و عاوز أرجع الآثار دى ، ومش عاوز منكم حاجة غير أنكم تساعدوني في كشف العصابة والقبض عليهم ، وتأمنوني
الضابط أنور : إنت زعلت ليه أنا مش قصدي، بس من كام يوم اتصل بينا ناس وقالوا عندهم معلومات عن الآثار وعاوزين فلوس علشان يساعدونا بالمعلومات ,. طيب قولي هي الحاجات دى أصلية ؟ "
محمد :  أيوه
الضابط أنور لمدير المتحف  : القطع دى مطابقة للقطع المسروقة من المتحف 
طارق العوضي : أيوه
الضابط أنور لمحمد  : هات صاحبك هنا
الضابط شريف : لأ إحنا لازم نعمل خطة ، ثم وجه كلامه لمحمد : أنت عندك استعداد تغامر
محمد :  أيوه  
الضابط شريف : خلاص أنت هتقول لصاحبك أنك فكرت وقررت أنك تمشى في الموضوع ده
كان " شريف " من أكفأ الضباط وأكثرهم ذكاء ، أدرك أن طبيعة " محمد " النقية قد تكون سبب فشل تلك الخطة أمام اللصوص,  لذلك أخذ يشرح لمحمد ويصف له شخصية تجار الآثار وطريقة حديثهم والألفاظ التي يستخدموها .
الضابط شريف : " محمد " اعرف إن الناس دى جشعة لأبعد مدى ، همهم الأول هو الدولار ، استغلاليين ، اللى بيساعدوهم بيطلبوا نسبة كبيرة ممكن توصل لثلث المبلغ زى ما انت هتطلب منهم ، ودلوقتي امسك تليفونك واطلب " عاطف " خليه يجيلك حالا في القهوة اللي اتقابلتوا فيها قبل كده في التحرير , وقوله إنك فكرت وعايز تطلع بقرشين كويسين من المصلحة دى , وطبعا انت مش هتشتري سمك في ميه , أطلب تشوف القطع الأثرية عشان نتأكد إنها القطع الأصلية وكمان عشان يصدقوك  .
محمد : " شريف بيه " أنا موافق لكن بشرط عدم ذكر إسمي في أي محضر رسمي ، وإن الخطة أكون فيها بعيد تماماً عن الموضوع ده علشان المجرمين دول ما يعرفوش إنى ساعدت في القبض عليهم ، وحياتي تبقى في خطر .
الضابط شريف : ماشى يا " محمد " موافقين 
أمسك " محمد " هاتفه المحمول واتصل بصديقه " عاطف " 
محمد : أيوه يا " عاطف " بقولك إيه أنا فكرت في المصلحة اللي كلمتني عنها وعايز اطلع منها بقرشين حلوين بدل الفقر اللي الواحد عايش فيه بس أسمع تعالى لي في القهوة اللي جنبنا في التحرير لأني منفض على الآخر مفيش في جيبي إلا جنيه واحد علشان يا دوب اركب به المترو  واروح .... أيوه نفس القهوة اللي اتقابلنا فيها المرة اللي فاتت مستنيك 
بعد الاتصال ذهب " محمد " لانتظار صديقه على المقهى وحضر عاطف وبدأ معه الحديث
عاطف : " محمد " أنا زعلان منك جداً علشان أنت صغرتني وطلعتني عيل قدام الناس 
محمد : والله انت ابن حلال ، بصراحة أنا فكرت في الموضوع ولقيت أنها خبطة العمر ، وانا عاوز أشوف البضاعة ، وبعون الله هجيب المشتري
عاطف : يعنى أنت عندك خبرة في المواضيع دى
محمد : طبعا، أنا مشيت في الموضوع ده ييجي خمس مرات قبل كده
عاطف : بص يا " محمد " لو فيه خطورة من الموضوع بلاش منه
محمد : بلاش منه إيه الموضوع مش تهريج ، وبعدين هتعمل إيه بالآثار اللي معاك
عاطف : يكش نكسرها
محمد :  تكسر إيه كسر دماغك , أنت عارف التماثيل دى بكام
أخرج عاطف تيلفونه المحمول واتصل بشخص أسمه  " أحمد "  وقال له : أنا جاي في الطريق مع " محمد عبد الرحمن "، جهز الحاجة علشان يشوفها
استقل " محمد وعاطف " معاً مترو الأنفاق من محطة " أنور السادات " حتى محطة " دار السلام "، خرجا من المحطة إلى شوارع دار السلام ، خمس وأربعون دقيقة مضت وهم يتجولون في شوارع جانبية ضيقة ، ومن شارع إلى حارة , ومن حارة لأخرى , حتى وصلوا إلى مناطق عشوائية تبدوا كأنها حظائر للماشية ، وأمام منزل قديم مبنى بالطوب الأحمر توقف " عاطف " ، ودعا " محمد " للجلوس على مقهى أمام البيت ، ثم اتصل "  عاطف بأحمد  "وقال له : إحنا وصلنا ، فحضر  " أحمد  "ومعه شخص آخر اسمه " عماد " .
محمد : فين المصلحة
أحمد : الحاجة مش هنا ، دى في مصر القديمة , عند واحد اسمه "عرفة أمين " شريكنا , وهو راجل قتال قتله ، مسجل خطر وبلطجى درجة أولى .
محمد : أنا مبتهددش ، انتو  هتخلصوا , والا هتلعبوا
أحمد : بص إحنا هنروح نجيب الحاجة دلوقتي من مصر القديمة ونيجي
ذهب " أحمد " مع صديقه وبقى " محمد وعاطف " بالمقهى في انتظارهما حتى يحضرا الآثار المسروقة من مخبأها في مصر القديمة ، مضى عشر دقائق ثم عاد بعدها " أحمد " ليخبرهما بوصول القطع الأثرية ، وقتها فقط تأكد " محمد " أن الآثار المسروقة لم تخرج من " دار السلام " , لأن المسافة بين ط دار السلام "  و" مصر القديمة "  خمسة عشرة دقيقة على الأقل، بمقدار ثلاثين0 دقيقة ذهاباً وعودة ، وعشر دقائق ليحضر الآثار، إذن هو بحاجة لأربعين دقيقة على الأقل ,  فلا يمكن أن يذهب " أحمد " لمصر القديمة ويعود في عشر دقائق فقط  .
دخل " محمد " وصديقه " عاطف " مع " أحمد " وصديقه إلى البيت المقابل للمقهى ، والذي سبق أن توقف أمامه " عاطف "، بيت قديم يبدو أنه بيت مهجور مبنى بالطوب الأحمر، وهنا سألهم " محمد " إيه البيت ده، فقال له " أحمد " ده البيت اللي فيه"  المساخيط "، شعر " محمد " وقتها أن ذاكرته تدخل في نفق مظلم لا يختلف عن ظلمة مدخل هذا البيت ، عادت ذاكرته لسنوات بعيدة عندما كان في السنوات الأولى من عمر ه، كان يومها مع والده في العمل أثناء التنقيب عن إحدى المقابر ، في ذلك اليوم أقترب منه رجل صعيدي وأعطاه قطعة من الشيكولاتة وسأله ماذا يفعل والدك ومن معه ، فسمع صوت والده يناديه بكل قوة تعالى هنا يا " محمد "، وعندما عاد لوالده سأله عن من أعطاه الشيكولاتة فأشار إلى الرجل الصعيدي فقال له والده : يا " محمد " يا ولدى إياك تكلمه مرة تانية أو تقوله على حاجة دول تجار " مساخيط "، فسأله محمد يعني إيه " مساخيط "  يا بوي فقال له والده يعنى تماثيل الفراعنة، تجار " المساخيط " بيسرقوا آثار البلد ويبعوها للخواجات , دول مجرمين يا ولدي ابعد عنهم , ممكن يخطفوك علشان يساوموني واسرق لهم الآثار , ومش بعيد يقتلوك ويقتلوا أي حد يقف في طريقهم دول مجرمين يا ولدى ما لناش صالح بيهم .
كانت هذه المرة الأولى التي سمع فيها " محمد " كلمة  "مساخيط "، لكن القدر بعد هذه السنين وضع " محمدا " في مواجهة هؤلاء اللصوص المجرمين .  
دخل معهم " محمد " إلى البيت القديم ثم قاموا بغلق الأبواب ، وصعدوا حتى الطابق الثالث ، جلسوا في غرفة كانت هي نفس الغرفة الموجودة بالفيديو ، إنه دليل آخر على أن القطع الأثرية في هذا البيت لم تخرج منه ، وقتها فقط شعر       " محمد  "بالخوف من أن تقتله العصابة ، لكن كان عليه أن يتماسك ويُكمل خطته ، نظر " محمد " " لأحمد " وصديقه " عماد " الذي أخرج الآثار من حقيبة قماش وكانت عبارة عن خمسة تماثيل من البرونز، وتمثال من الحجر الجيري، ومجموعة من القلادات المقطوعة" .
محمد : عاوزين كام في البيعة دى
أحمد : إنت اللي هتمن
محمد :  أنا عاوز 30 ألف جنيه ربط كلام ، علشان أقولكم الحاجات دى أصلية ولا مزورة ، وبياناتها كلها
أحمد :  ماشى بس احنا عاوزين عشرة  ملايين دولار
محمد : ماشى بس لازم ارجع للناس الكبيرة الأول
عماد :  بس لو وافقوا  تيجوا  تاخدوا  الحاجة من دار السلام
محمد : لا طبعا , الناس دى لو دخلت دار السلام تفضحكم ، لأنهم ناس من اللي بتشوفهم في التليفزيون ، أصلاً العربيات بتاعتهم مش هتدخل الحواري المعفنة الضيقة دي ,
عماد : أمال هنخلص فين؟
محمد :  فندق مثلاً
عماد : لأ ,  إحنا نخلص في نادي في المعادي
محمد : طب تعالوا نشوفه
خرجوا جميعا متجهين لمعاينة المكان بنادي المعادي ، وخلف النادي توقف " محمد "  عند مقهى أشبه بعشة، مفتوح من كل الجهات، فقالوا لمحمد : إحنا هنخلص هنا
محمد : هـ ادرس المكان وهـ ارد عليكم  
تركهم " محمد " وانصرف ، كانت الساعة التاسعة مساء ، فتوجه مسرعاً إلى شرطة الآثار بالمتحف المصري ، ليخبر الضباط بكل ما حدث ، فطلبوا منه أن يحضر في الصباح الباكر ليضعوا خطة القبض على اللصوص ، وبالفعل ذهب " محمد " صباح اليوم التالي إلى مكتب الشرطة ، واتفقوا على وضع خطة للقبض على اللصوص متلبسين ، وكانت أول خطوة في الخطة هي اتصال " محمد " " بأحمد " ليخبره أنه اتفق مع أمريكي لشراء التماثيل ،  وبالفعل تم الاتصال 
محمد :  فيه واحد أمريكاني عارض يشترى البضاعة , ومكان التسليم في فندق سميراميس ، لأنه نازل فيه ، وفيه  عربية هتيجى تاخدكم من دار السلام للفندق 
أحمد : واحنا جاهزين

كان هذا اليوم السبت 12 مارس 2011 أشبه بعمل تمثيلي كبير ، بحاجة لدقة في التمثيل والإخراج ، لذلك حجزت الشرطة جناحا بالفندق ، وقامت بتأجير سيارة فارهة ، وتم الاتفاق مع سائح أمريكي يدعى "تى جى"، على تمثيل دور "ريتشارد" تاجر الآثار الذي سيشترى التماثيل ، وقد رحب تى جى الأمريكي بهذا الدور والتعاون مع الشرطة في سبيل عودة الآثار المسروقة , والقبض علي اللصوص متلبسين .
اتفق " محمد "مع " أحمد " على أن يمر عليهم في دار السلام بسيارة المشترى الأمريكي ، ثم يتوجهوا جميعاً ومعهم الآثار إلى الفندق لإتمام الصفقة ، وبالفعل ذهب " محمد " فوجد " أحمد وعماد "، فقالوا إنهم لم يحضروا معهم الآثار ، فانفعل عليهم بشدة  
محمد : هو كلام عيال يعنى ، إيه التهريج ده ، أنتو كده هتودونا في داهية .
عماد : إحنا عاوزين نتعرف على الراجل الأول .
أخرج " محمد " هاتفه , واتصل بأحد ضباط الداخلية وحدثه بالإنجليزية ، قائلاً : "مستر ريتشارد" , أنا جاي و معايا " عماد وأحمد " لكن مش معانا الآثار ، هما عاوزين يتعرفوا عليك .
بعدها توجهوا جميعاً إلى الفندق الذي دخلوه بسهولة دون تفتيش ، حيث توجهوا بالسيارة إلى جراج الفندق ، وصعدوا بالمصعد إلى الدور السابع عشر ، ودخلوا الجناح ، بعد تفتيشهم على بابه من حارس " ريتشارد "، والذي كان يلعب دوره ضابط بالداخلية ، وهناك ظهرت معالم القلق على وجهي " عماد وأحمد " دون أن يعترفا بذلك ، لكن فضحتهم أعينهم الزائغة في المكان 
شعر " محمد " بقلقهم , فأراد أن يطمئنهم فأخذهم في جولة بالجناح ، وفى "البلكونة"  التي تطل على النيل قالوا لمحمد : لو أتقبض علينا هنا هنط من البلكونة دي  
دخل " ريتشارد " إلى غرفة الاستقبال ودعاهم للجلوس معه فقالوا " لمحمد " أنهم لا يفهمونه لأنهم لا يعرفون اللغة الإنجليزية 
قال لهم محمد: أنا عاوز التلت في البيعة دي أو هبوظها .
أحمد : التلت مبلغ كبير قوي 
لكن " محمد " تمسك بالمبلغ فوافقوا ثم قال لهم : أنا هطلع أحسن منكم أنتو عاوزين 10 ملايين دولار صح ، ثم توجه بكلامه لمستر " ريتشارد " وقال له بالإنجليزية إحنا عاوزين 50 مليون دولار ، وهنا يقول " محمد " لاحظت الدهشة على وجوههم ، وتأكدت من أنهم يفهمون الإنجليزية ، فقال ريتشارد إنه سيفكر 
عماد : إحنا عاوزين نشوف الـ50 مليون دولار، وبطاقة البودي جارد اللي فتشنا واحنا داخلين الجناح 
محمد :  تصدق إنتو عالم عرر وجرابيع , وانا غلطان إني بكبركم ، إنتو أول مرة تدخلوا فنادق , وطبعاً مش عارفين إن الـ 50 مليون دولار مبلغ كبير جداً مستحيل يكون في شنطة تحت السرير ، وكمان عاوزين تشوفوا بطاقة الحارس اللي جاي من شيكاغو , طبعاً مانتو مش عارفين شيكاغو ولا اللي بييجوا منها عاملين ازاي , بس انا اللي غلطان علشان اتعاملت معاكم .
استطاع " محمد " بأسلوبه أن يقنعهم بالخروج من الفندق والتوقف عن شكوكهم خاصة عندما أخبرهم أن " ريتشارد " مسافر في الصباح إلى أمريكا وأن الليلة هي فرصتهم الوحيدة لإتمام تلك الصفقة ، لهذا اتفقوا على أن يتقابلوا في العاشرة مساء في " دار السلام "، وتكون معهم الآثار لإتمام الصفقة.

سيطرت مخاوف كثيرة على " محمد " كان أولها شعوره أنه غير مؤمن من الشرطة ، كما أنه من المفترض أن يذهب ليلا إلى البيت المهجور بدار السلام لإحضار التماثيل , فلربما غدرت به العصابة , واتخذته رهينة لحين إتمام الصفقة ، فكان لابد أن يطلع ضباط الشرطة على هذه المخاوف , لكنهم أكدوا له أن حياته هي الأهم و وأنه مؤمن بشكل كامل , ثم طلبوا منه الاتصال " بعاطف " صديقه ليخبره أنهم تأخروا , و أن الأمريكي لن يتمم الصفقة , فأخبره " عاطف " أنه سوف يستعجل " أحمد  " للحضور وإتمام الصفقة 

وفى منتصف الليل دق هاتف " محمد " المحمول ووجد شخصاً يقول له : أنا             " عرفة أمين " شريك " عماد وأحمد " ، أنا سمعت عنك كتير وسعيد إني هشتغل معاك ، وإن شاء الله مش هتكون آخر مرة ، وأنا عاوز أعرض عليك عرض ، أنت تيجى تاخد الآثار وتبيعها بمعرفتك , وتجيب لنا أي مبلغ إن شاله مليون من الخمسين . 
محمد : إنت كده بتهرج وفاكرني عيل صغير ، روح دور على عيل يخيل عليه كلامك ، وأنا مش عاوز أعرفكم تاني ، وخد بالك علشان انت مش عارف أنا ورايا مين ، وعاوز أقولك إن بيعتك أصلاً خسرانة ، لأن كل الآثار اللي معاكم مسجلة ومعروفة , ومن مصلحتكم أنى أخلصها بس دغري من غير لف دوران ، فكر في كلامي كويس ، مع السلامة .
مرت ثلاثة أيام حتى يوم الأربعاء 16 مارس الساعة الثانية ظهرا ، وجد " محمد " اتصالا من"  أحمد "يقول له :  الحقني يا "محمد " فيه واحد اسمه "طارق العوضي " نشر على الإنترنت مواصفات البضاعة اللي معانا وفيه حاجات إحنا مش لاقينها أصلاً .
محمد : طب أهدا وأنا هـ اشوف الحكاية وهكلمك .
كان " محمد " في هذا الوقت بمكتب شرطة الآثار بالمتحف المصري ، حيث كان يذهب إلى هناك يومياً، ولم يكن يذهب لعمله بالمجلس الأعلى للآثار ، فأخبر الضباط بما حدث ، فقالوا له إن العملية يجب أن تنتهي اليوم ، وطلبوا منه الاتصال بأحمد، فأتصل به .
محمد : أيوه يا " أحمد" ، انا هستناكم أول شارع القصر العيني في عربية سودا تيجوا ومعاكم البضاعة علشان نروح بيها لمقر السفارة الأمريكية اللي بيشتغل فيها مستر "ريتشارد "ونخلص هناك ، البضاعة اللي معاكم ريحتها طلعت ولو مخلصناش فيها النهاردة مش هنعرف نخلصها ، لازم نبيعها قبل المُشترى ما يعرف أن مواصفاتها انتشرت ، اجهزوا بيها وأول ما اكلمك تجيلي على طول في المكان اللي هـ اقولك عليه . 
لم يكن تقرير المتحف المصري عن القطع الأثرية المسروقة إلا من باب الصدفة ، لكنها خدمت العملية بشكل كبير .
استقل " محمد " السيارة التي أحضرها له ضباط الشرطة , وتوجهت به إلى أول شارع " القصر العيني " حسب اتفاقه مع "أحمد "، وهناك أتصل " أحمد بمحمد " وقال له إنه سيحضر خلال ساعة .
أنتظر " محمد " لمدة ساعة كاملة كان يردد خلالها الشهاد ة، فقد كان يشعر أن اللحظات القادمة ربما تحمل نهاية حياته فيكون شهيد الواجب الوطني ، أما عن الخطة المُتفق عليها مع الضباط فكانت كما يلي :
 سيتوجه "محمد "ومعه أفراد العصابة إلى مبنى السفارة الأمريكية ، بشارع " سيمون بوليفار" ، وهناك ستقف السيارة تنتظر قدوم "ريتشارد" بسيارته لاستلام البضاعة، لكنه لن يأتي، فيقول لهم " محمد " إنه سيخرج من السيارة ليسأل عنه بالسفارة ، ويفتعل مُشكلة مع قوات الأمن بالسفارة ، ويُلقون القبض عليه ، ثم يخرج كمين يقبض على أفراد العصابة ومعهم الآثار ، وبهذا لا يشك أحدهم في أن " محمد  " هو الذي أوقعهم في هذا الفخ .
اتجه " عماد وأحمد وعرفة أمين " إلى شارع " القصر العيني " وكانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها "عرفة أمين " ، وعند وصولهم طلب منهم " محمد " أن يرى الآثار ليفحصها ويتأكد أنها الأصلية، وبالفعل تأكد منها ووضعها تحت قدميه ثم اتصل بأحد الضباط وأخبره بالإنجليزية أنه قادم مع "عرفة أمين وعماد وأحمد " ومعهم الآثار .
تحركت السيارة، وتوجهوا جميعاً لميدان " سيمون بوليفار "، وهنا حدث ما لم يتوقعه " محمد "، فوجئ بمجرد وصوله لشارع السفارة الأمريكية بكمين شرطة ، فطمأن أفراد العصابة قائلاً لهم إنها حملة مرور ، ودخلوا الميدان ، وبمجرد دخولهم أغلقت الشرطة الميدان ووقفت السيارة أمام باب دبابة القوات المسلحة .
وقتها أرتبك "عماد وعرفة أمين وأحمد "، وطلبوا منه الخروج من السيارة لشراء سجائر  وبمجرد أن فتحوا أبواب السيارة هجمت عليهم قوات الداخلية والقوات المسلحة ، وألقوا القبض عليهم جميعا بما فيهم " محمد "، وأخذوا حقيبة الآثار دون أن يفتحوها .

في تلك الأثناء تعامل رجال الشرطة والجيش مع " محمد  "على أنه مجرم ، فلم يكن لديهم علم أن "محمد "هو المرشد عن هؤلاء المجرمين ، ولم يكن لدى هؤلاء الجنود علم بالخطة التي تم وضعها مع ضباط شرطة السياحة ، حاول " محمد " أن يشرح لهم موقفه فنهروه . 
ثم قامت الشرطة بوضعهم في سيارة وتوجهوا بهم إلى المتحف المصري ، ثم جلسوا أمام بواباته الرئيسية ، وبمجرد وصولهم هناك قال أحمد : متشكرين يا محمد .
خرج الضباط الذين أتفق معهم " محمد"  على الخطة من مكتب شرطة المتحف ، ورأوا " محمد " لكنهم خشوا أن يعرف المجرمين اتفاقه معهم فينتقموا منه فأشار أحد الضباط على " محمد  " قائلا : خلى ده على جنب .
قام الجنود بإدخال " محمد " داخل المتحف المصري ، حيث مكتب شرطة الآثار ، كان يتوقع أن يرى من ضباط شرطة السياحة الشكر والحفاوة والتهنئة لما قام به من دور بطولي ، لكنه وجد معاملة مختلفة كانت صادمة له ، فقد وجد منهم منتهى الإهمال ، فطلب منهم متعلقاته التي أخذها منه رجال الشرطة حين تم القبض عليه , ثم قاموا بإخراجه إلى حديقة المتحف ، لكن أحد الضباط قال له : لا تخرج الآن حتى لا تستفز مشاعر العصابة ، فرجع و بقى في أحد المكاتب بالمتحف لعدة ساعات حتى أصبح المتحف خاوياً إلا من قوات الصاعقة فسألهم عن العصابة فقالوا له تم ترحيلهم إلى النيابة .
ذهب لمكتب شرطة الآثار بالمتحف فوجده مغلقاً , فطلب من الجنود أن يخرج من المتحف.
خرج " محمد  "إلى ميدان التحرير فوجد الميدان خاوياً ليس به أحد فنزل إلى مترو الأنفاق ، فإذا به مغلقا فصعد مره أخرى إلى الميدان فإذا به يسمع صوتا من بعيد    " أقبضوا عليه "، كان هذا الصوت لقوات الميدان الذين قبضوا عليه منذ ساعات لكنهم لا يعرفوا الحقيقة ، و للمرة الثانية يتم القبض عليه ويذهبوا به إلى المتحف مرة أخرى , وهناك سأله ضباط الصاعقة عن سبب عودته مرة أخرى فشرح لهم قصته فسمحوا له بالخروج .
خرج " محمد " إلى ميدان التحرير الخاوي تماما من المارة والسيارات حتى المحلات مغلقه ، مشى يقطع شوارع وسط البلد يبحث عن سيارة تأخذه إلى المنزل وهو مُجهد مُرتعد من مصير يجهله فقد أصبح وحيداً لا أحد يحميه .
وصل إلى المنزل وقص على والدته ما حدث وطلب منها إعداد حقيبة ملابسهما حتى يتركا المنزل ويقيما في بيت صديق له حتى تهدأ الأمور ويجد حلاً لتلك الأزمة ، فلا يمكن أن يتخلى عنه وطنه بعد هذا الدور البطولي ويصبح فريسة لهؤلاء المجرمين  .
ذهب " محمد " في تلك الليلة إلى منزل أحد الأصدقاء، وأقام فيه مع والدته خوفا من أفراد العصابة وذويهم أن ينتقموا منه .
وفي اليوم التالي ذهب لضباط الداخلية الذين عمل معهم يطلب منهم حمايته ، فسألوه كيف ؟  فتوجه لرئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، وطلب منه الحماية فقال له : إن المجلس لن يستطيع حمايته ، فعاد لضباط الداخلية وطلب منهم إعطاءه ترخيص سلاح ، فقالوا له أكتب طلب ترخيص وسنوافق عليه ، لكن لن نستطيع توفير سلاح ، وستقوم بشرائه من أموالك الخاصة .

وبعد عدة أيام وتحديداً في يوم الخميس 17 مارس 2011،  أستيقظ "محمد عبد الرحمن "، على صوت والدته تقول له : " قوم يا محمد شوف تعبك ومجهودك... اصح من النوم وشوف مصر بتكرمك ازاي... وشوف بهدلتنا ازاي معاك" .
هب من نومه فزعاً , ووقف متجمداً مذهولاً أمام شاشة التليفزيون الذي يبث زيارة " الدكتور عصام شرف " لوزارة الداخلية لتكريم ضباط الوزارة على الجهد الذي بذلوه لاستعادة الآثار المسروقة من المتحف المصري، والقبض على اللصوص 
مشهد مهيب يحرك المشاعر، ويهز القلوب، رئيس الوزراء يكرم ضباط شرطة الآثار والسياحة لدورهم البطولي، الجميع سعيد فخور ببطولة رجال مصر، شاشات التليفزيون تبث هذا المشهد العظيم لكن أين " محمد عبد الرحمن " ؟ .

" محمد عبد الرحمن  "في منزل أحد الأصدقاء هارباً من منزلة مخافة بطش أهالي المجرمين به ، لا أحد يعرف عنه شيئا ، لا أحد يشعر بخفقات قلبه المرتعد، فغالباً ما يلعب دور البطولة أشخاص ويُكرم على عظمة الدور آخرون , إلا أن البطل الحقيقي لا يُكرم لأنه يحظى بلقب "مسئول حكومي كبير" 

عاش " محمد  "يواجه تأنيب والدته له بسبب الخطر الذي أصبح يهدد حياتهم ، أما أصدقائه فمنهم من يقول : "مش عملت لي شريف طب اشرب بقا " وآخر يقول :     " ده  عصام شرف  كرم بتوع الداخلية وانت محدش كرمك "  وآخر يقول :         " شوبير استضاف الراجل اللي كان لابس جلابية في مباراة الزمالك وانت قاعد محدش عبرك "، فباتوا يؤنبونه على دور البطولة الذي لعبه فأوقعه في شر أعماله، وكأنه هو الخاسر الوحيد لأنه أضاع فرصة كان من الممكن أن تغير مسار حياته، فالبطولة والشهامة لم تجلب له إلا الهموم والقلق حتى أنه لم يجد مقابلاً لها كلمة شكر أو حماية لحياته .

هكذا تنقلب الموازين فيصبح الشرفاء محل نقد وتوبيخ ومهانة ، كأن الشرف فعله مُشينه يُعاقبون عليها لكي لا يكرروها مرة أخرى ،  لكن وسط كل هذا الألم لم يندم " محمد " على ما فعله، لم يندم لتكريم لم يحصل عليه ، أو لمكافأة لم يتقاض منها مليما واحد ، أو لمعاملة مستهينة وجدها من الضباط بعد نجاح العملية ، أو لحياته المهددة بالخطر هو ووالدته ، فما فعله " محمد " لم يكن ليفعل غيره ، لقد تصرف بطبيعته الشريفة الطاهرة ، وغيره كثيرين من الشرفاء ، لا يمكن أن يخونوا أوطانهم أو يبيعوا ضمائرهم ، لكن مع الأسف من ير حاله من ضعاف النفوس لن يفكر أن يفعل مثله .

عادت القطع المسروقة إلى المتحف بعدما سُرقت في ليلة " بكى فيها رمسيس" ، لكن ماذا سيكون رد فعل " رمسيس الثاني " عندما يشكوا له "محمد عبد الرحمن " من عدم تكريمه أو تأمين حياته بعد دوره البطولي لاستعادة الآثار ، تُرى هل سيسعد " رمسيس الثاني " ، أم سيقول للمرة الثالثة " لستم أحفادي " ، فلم تكن هذه هي مصر التي علمت العالم معنى الحق والعدل والكرامة الإنسانية، مصر التي قدس أبنائها "ماعت" أو العدالة في مصر الفرعونية .

لكن علماء الآثار والصحفيين الباحثين عن الحقيقة  تحدثوا عن بطولة " محمد " ، كان أول من يتصل به هو " الدكتور زاهي حواس " ، وجه له الشكر وقال له : "حقك عندي و انا  اللي  هجبهولك" .
تحدث عنه ووجه له الشكر العديد من علماء الآثار عبر القنوات الفضائية، ووصفوه بأنه ابن لهم، هذا الشاب المصري الذي يعيش مع والدته في حجرتين مساحتهما 48 متر يرفض 50 ألف دولار مقابل تحديد القيمة المالية للقطع ، فضلا عن نصيبه من بيعها .
وفى أكتوبر 2011، تم تكريم " محمد عبد الرحمن " في جامعة الدول العربية من قبل الأمين العام لجامعة الدول العربية بترشيح من الإتحاد العام للأثريين العرب على ما فعله  من بطولات .
















قصيدة مصر تتحدث عن نفسها

مصر تتحدث عن نفسها

للشاعر حافظ ابراهيم




وقف الخــلق ينظرون جميعــــًا 

كيف أبني قواعد المجد وحدي 


وبناة الأهرام في ســالف الدهر 

كفوني الكلام عند التحـــــــدي


أنا تاج العلاء في مفرق الشرق

ودراته فرائــــــــد عقـــــــدي


إن مجـدي في الأوليات عريق

من له مثل أولياتي ومجــــــــدي


أنا إن قدر الإله ممـــــــــاتي

لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي


ما رماني رام وراح سليمـــــاً 

من قديم عناية الله جنـــــــــــــدي


كم بغت دولة عليّ وجــــارت 

ثم زالت وتلك عقبى التحــــــــدي


إنني حرة كسرت قيــــــودي

رغـــم أنـف العـدا وقطـــعت قيدي


أتراني وقد طـــــويت حياتي 

في مراس لم أبلغ اليوم رشـــــــدي


أمن العدل أنهم يردون المــاء 

صفـــــــــوا وأن يكــــــــدر وردي


أمن الحق أنهم يطلقون الأســـد 

منهم وأن تقيــــــــــد أســـــــدي


نظر الله لي فارشـــــد أبنائي 

فشدوا إلى العلا أي شـــــــــــــــــد


إنما الحق قـوة من قوى الديــان 

أمضي من كل أبيض وهنــــــدي


قد وعدت العـــــلا بكل أبي 

من رجـــــالي فانجزوا اليوم وعدي


وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق 

فالعلم وحـــــــــــده ليس يجدي


نحن نجتـــــــاز موقفاً تعثر الآراء 

فيه وثمـــــــــــــرة الرأي تردى

فقفـــــــوا فيه وقفــــــــــة حزم 


وارســــوا جانبيـــه بعزمة المستعد

الفصل الرابع - شارع رمسيس ج1

كتبت في 19 فبراير 2015
القصة كاملة من وحى الخيال عن عودة عدد من القطع الأثرية من بلجيكا والتي شوهدت أحداها بأحد صالات المزادات وهذا هو الحقيقة الوحيدة بهذه القصة
كما تم ضبط عدد من القطع بحقيبة سيدة سافرت بها إلى بلجيكا لبيعها هناك وتم إعادة القطع المسروقة إلى متحف الآثار المصرية
كما تم الاستعانة بحلقات المؤرخ بسام الشماع على يوتيوب 
بشأن أدعاء اليهود بناء الاهرامات



 شارع رمسيس


على " مقهى رمسيس " الكائن بشارع رمسيس بالقاهرة ، حيث يقع على مقربة من متحف الآثار المصرية ، جلس " شمس " يحتسى كوب الشاي بالنعناع ، ينظر إلى المارة بالطريق ، يبدو عليه الشرود ، فجأة يقطع هذا الشرود صوت مذيعة النشرة الإخبارية للتليفزيون المصري : " صرح وزير السياحة المصري فخري عبد النور بوجود قلق عالمي من الفتاوى الدينية بشأن السياحة ، مؤكداً أنه تلقى رسائل استفسار من بعض الدول حول تلك الفتاوى ، وأضاف أن وزارة السياحة ستتخذ خطوات جاهدة في تنشيط قطاع السياحة ، ومن الجدير بالذكر أن قطاع السياحة المصري قد سجل تراجعاً عنيفاً في مؤشراته خلال الموسم السياحي الذي بدأ في يوليو 2010 وانتهى في يونيو 2011، وذلك لما شهدته مصر من أحداث عصيبة وانفلات أمني بعد الثورة  "

حينها ، سأل "شمس " نفسه، وماذا بعد ، وما مصير السياحة لو صعد الإسلاميين إلى البرلمان وهم مكتسحين بالفعل حتى الآن في الانتخابات البرلمانية ، وربما يتوالى الصعود حتى يصلوا إلى الحكم ، فما مصير السياحة ، وما مصيره هو كمرشد سياحي وقد أمضى عاما كاملا متوقفا فيه عن العمل ، فالشركة التي كان يعمل بها أُغلقت ، وهاجر صاحبها إلى أمريكا بعد أن تكبد خسائر فادحة بسبب توقف النشاط السياحي ، شركات السياحة الكبرى استغنت عن أعداد كبيرة من العمالة لديها ، وشركات السياحة الأجنبية أحجمت عن إيفاد رحلاتها إلى مصر ، أما الشركات الصغيرة فقد أشهر الكثير منها الإفلاس ، وأصبح لا سبيل أمام " شمس " وأمثاله من العاملين بهذا القطاع إلا البحث عن مجال عمل مختلف و لكن ما هو هذا المجال ؟
كاد عقل"  شمس " أن يتوقف ، بماذا يعمل وهو لا يعرف مهنة أخرى سوى عمله كمرشد سياحي ، رغم هذا فقد حاول العمل في مجال الترجمة , خاصة أنه يُجيد اللغة الفرنسية والهولندية والإنجليزية ، لكن ما أصاب قطاع الثقافة لا يختلف كثيراً عما أصاب قطاع السياحة , حتى شعر أن أبواب الدنيا قد أُغلقت في وجهه .

نظر شمس في ساعته ، كانت عقاربها تُشير إلى الخامسة عصراً من يوم الاثنين 13 ديسمبر  2011، كان على أمل أن يلتقي بصديق عمره " نور " الذي اعتاد أن يتقابل معه في المقهى كل يوم في هذا الموعد بعد عودتهما من عملهما ، وما هي إلا ثوان حتى قطع صمته صوت صديقة " نور " وهو يقول له : " الحمد لله إني لقيتك ، عندي ليك فرصة العمر وكأنها متفصلة عليك " 
شمس : فرصة إيه , خير 
نور : إيه رأيك في فرصة عمل في بلجيكا ؟
شمس : بلجيكا، هشتغل إيه في بلجيكا 
نور : في السياحة ومطلوب إجادة لغتين على الأقل من 3 لغات فرنسية وهولندية وألمانية ، و انت بتجيد الفرنسي والهولندي والإنجليزي طبعاً ، وأفتكر سهل جداً أنك تتعلم ألماني هناك .
شمس : أيوه بس أنا عمري ما تخيلت إني أشتغل بره مصر ، وبعدين هشتغل إيه هناك .
نور : بصراحة هي فرصة عمل كانت ليا أنا من صديق بلجيكي اتعرفت عليه لما كان في رحلة سياحية هنا ، أسمه " ميشال ايليو " مدير فندق من أشهر الفنادق في بلجيكا ومغرم بالحضارة الفرعونية , وعايز يعمل صالة عرض للآثار الفرعونية المُقلدة كوبي يعنى من القطع الأثرية المهمة ، تقدر تقول كده متحف تقليد مش أصلي , وطبعاً عايز أثري يشرف على صناعة القطع وكتابة اللوحات الإرشادية بتاعتها وتقديم شرح ليها للزوار . 
شمس : مش ممكن طبعاً ، يعنى آثار بلدنا الأصلية مش لاقيه اللي يزورها ,  وبتتنهب , وتتسرق , واحنا نعمل متاحف تقليد يتفرج عليها الأجانب بدل الآثار الأصلية ، وبعدين لما هي كانت فرصة ليك سيبتها ليه ؟
نور : أولاً بيك أو من غيرك المتحف هيتعمل زي غيره كثير من المتاحف التقليد المنتشرة بره ، فيه ناس مُغرمة بالحضارة الفرعونية ، وفيه طلبة بتدرسها وما يقدروش يسافروا رحلة سياحية علشان يشوفوا الآثار الأصلية ، واللي يقدر منهم ,  حالياً خايف من الظروف اللي البلد فيها ، والاشتباكات كل يوم جمعة المُذاعة على تليفزيونات العالم ، أما أنا سيبت الفرصة دي ليه يا سيدي ، لأني هـ افتح فرع جديد للمطعم في سيتي ستار ، إحنا حطينا في المطاعم دي كل ميراث والدتي ، وأبويا زى ما أنت فاهم ، وأنا أبنهم الوحيد يبقى هسيب ده كله لمين ، وفي الأول والأخر هي فلوسي ومالي بعد عمر طويل ليهم .
شمس : لا أنا مش مرتاح , حاسس إني كده هـ اضر السياحة في بلدي ، لو فيه ناس بتخرب يا " نور " مش لازم نبقى زيهم , إحنا ناس دارسة وفاهمة يعني إيه آثار وتاريخ 
نور : ممكن نفكر بشكل مختلف شوية ، ليه ما تقولش إن متحف التقليد ده هيعطيك فرصة إنك تقدم المعلومة التاريخية الصح للزوار الأجانب بدل المعلومات المغلوطة ، وإنك تقدم صورة جيدة عن مصر تخليهم متشوقين يشوفوا الآثار الأصلية ، خصوصاً إنهم ممكن يقلدوا تماثيل صغيرة لكن عمرهم ما هيقلدوا الهرم وأبو الهول وأبو سمبل ، ثانياً يا أخي أنت لقيت شغل هنا وقلت لأ  , والحال ده هيطول والله أعلم الجاي إيه ، لكن اللي واثق منه إنه أسوأ مش أحسن .
شمس : سيبنى أفكر وأرد عليك
نور : وأنا معاك وما تقلقش من حاجة , لأن " ميشال " صديقي جداً وعمره ما هيرفضلي طلب ولما تعرفه هتحبه
عاد " شمس " إلى منزله وهو يفكر في كلام " نور " فماذا بيديه أن يفعله وقد أصبح يعتمد على أسرته في مصروفاته الشخصية ، وإلى متى يستمر على هذا الحال ، فلم يجد أمامه سوى المغامرة وقبول هذا العرض ، والعودة فوراً إذا استقرت الأحوال في مصر ، ليعود لعمله الذي يعشقه مرشدا سياحيا على تراب مصر .

مرت الأيام سريعاً وشمس مشغول في إتمام إجراءات السفر إلى بلجيكا حتى حان موعد السفر وذهب"  نور " مع " شمس"  إلى المطار ليودعه هناك .
نور : أنا مش عايزك تقلق من حاجة اعتبرها تجربة ، لو ما عجبكش الحال يا سيدي الفندق جنب مطار " إنتويرب " على طول، اركب الطيارة وارجع فورا ، واعتبر " ميشال " كأنه أنا بالضبط ، على فكرة هو شخصية عفوية جدا ،ً أصل البلجيكيين دول عاملين زى حبايبنا الصعايدة ، عارف لما يقولك مرة واحد صعيدي ، هما الأوروبيين بقا بيقولوا مرة واحد بلجيكى ، ناس بساط وطيبين وأديك هتروح وتشوف بنفسك ، ما تنساش اسم الفندق " راديسون بلو" في حي          " الماس  "على بعد 5 كيلو من المطار يعنى 20 دقيقة بالكثير ، وطبعاً ابقى افتكرني بكام حتة ماس من هناك ..  بجد هتوحشني يا صاحبي 

وصل " شمس " إلى مطار " إنتويرب " واستقل الحافلة المكوكية متوجهاً إلى حي الماس حيث فندق " راديسون بلو "، وما هي إلا 25 دقيقة داخل الحافلة حتى توقفت أمام باب فندق "راديسو بلو" ، إن الطريق كما وصفه صديقه " نور " تماما ، وقتها شعر " شمس " بالاطمئنان والألفة، إنها بالفعل تجربة إما أن تنجح و يستطيع بناء مستقبله، أو يعود سريعا إذا لم يحالفه التوفيق .
دخل شمس إلى الفندق وطلب من موظف الاستعلامات مقابلة "ميشال ايليو " مدير الفندق وبالفعل أمر " ميشال  " بدخوله فوراً إلى مكتبه , دخل " شمس " إلى مكتب " ميشال " الذي وقف لاستقباله بحفاوة بالغة 
ميشال : مرحباً بصديق " نور " وصديقي الجديد أهلا بك في بلجيكا بلدك الثاني 
شمس : هذا يشرفني " مستر  ميشال " 
ميشال : أمامك مهمتان للقيام بهما هنا ، الأولى الإشراف على صناعة التماثيل المُقلدة والتي سيتم عرضها بصالة عرض الآثار المصرية , بعدها ستتولى أمر المتحف كاملاً منذ يوم الافتتاح ، أما المهمة الثانية فهي قاعة المؤتمرات , والتي يُقام بها المؤتمرات الدولية والاحتفالات , وقد وضعت نظاما فريدا لهذه القاعة , فنحن نستضيف المؤتمرات الدولية بالقاعة مجاناً , مقابل الدعاية كشركة راعية ، وهذا أقل تكلفة بكثير جداً من تكلفة الإعلانات المدفوعة الأجر ، كما أننا بهذا نكون مساهمين في الأنشطة العلمية والفنية ، ومهمتك هي الإشراف على العمل بالقاعة , وإلقاء كلمة الافتتاح ، في الحقيقة لم يعد لدي الوقت للقيام بهذه المهمة ، والآن ستتعرف على المدير التنفيذي " لراديسون بلو " أنه أيضا سعيد لعملك معنا .
وبعد اتصال تليفوني بشخص يدعى " موريس " سمع " شمس الباب " يُفتح ويدخل منه رجل تبدو عليه الملامح العربية 
ميشال : إنه " موريس " المدير التنفيذي للفندق 
موريس : نورت بلجيكا حبيبي
شمس : أنت بتتكلم عربي لهجتك بتقول أنك " سوري "  أو " لبناني " 
موريس : إحنا عرب زى بعض أنا " شامي " 
شمس : وأنا متفائل جدا للعمل هنا وواضح أننا هـ نكون أصدقاء 
ميشال : " شمس "  ماذا تعنى كلمة " شمس " 
شمس : " شمس "  بالهولندية zon"    "زون 
ميشال : اوووووووه ، كان الفراعنة يعبدون الشمس في عهد " إخناتون " أليس كذلك 
شمس : كذلك " مستر ميشال" ، أنا أسمى بالهيروغليفية " أتون أو أتن " aton"  - aten "، انطقها كما تحب، كما كان هناك إله للشمس مقدس لدى الفراعنة في كل العصور، إنه الإله " رع " 
ميشال : رء رء .. إنها صعبة للغاية يكفيني " أتن "  
شمس : إذن من الآن أنا   " أتن "
ميشال : حسناً  " أتن "  لتذهب الآن إلى جناحك لتستريح ولنبدأ العمل من الغد 
اصطحب " موريس " " شمس " إلى الجناح المخصص له بجوار جناحي " موريس " و " ميشال "، شعر " شمس " بالارتياح حين وقعت عينه على " المصحف " الموضوع على المنضدة و " سجادة الصلاة " الموضوعة على الكنبة ، الغرفة تبدو وكأنها أُعدت بأيدي مصرية ، ووضح له لأول وهلة مدى الاحترام لعقيدة الآخر  .
موريس : " شمس "  اليوم ب اتركك تستريح ومن باكر ننهي عملنا وب تيجي معي نلعب طاولة  " بقهوة  أم كلثوم "  و نسمع " الست ".
شمس : " قهوة أم كلثوم " !!! دي في  " عماد الدين " في " القاهرة "
موريس : هنا فيه كل حاجة " قهوة أم كلثوم " و " مطعم كيلوباترا "  و                 " سفنكس "  و " توت عنخ أمون " 
شمس : معقول ، مش بقولك أنا سعيد ومتفائل , أنا فعلا حاسس كأني في              " مصر " 
موريس : وأنا سعيد بوجودك معانا ، وانت هـ تكون صديقي المقرب ، ب اتركك تنام ،  سلام

شعر " شمس "بالألفة والدفء , وتبددت كل مشاعر الغربة والقلق والتوتر ، نظر من النافذة المُطلة على حديقة حيوان " إنتويرب " ، فبدت له الشوارع وكأنها شوارع  " وسط البلد  " في الخمسينات حين كانت شوارع"  القاهرة "نظيفة هادئة . 
تناول " شمس " عشاءه , واستسلم لنوم عميق هادئ لم يؤرقه شيء ، وفى الساعة الثامنة صباحاً استيقظ على رنين الهاتف الداخلي للفندق فسمع صوت " موريس 
موريس : صباح الخير , أتمنى تكون نمت نوما هادئا ، اليوم أنت أجازة من العمل فرصة ترتاح ، وترتب حالك ، والفطار بعد دقايق بيكون عندك في الغرفة ، طبعاً المفروض أن الفطار عندنا 8 صباحاً في المطعم ، وكلنا ب نكون موجودين مع النزلاء ، لكن اليوم استثناء بالنسبة لك  علشان ترتاح ، وتاخد على الجو  هنا .
شمس : بجد مش عارف أقولك أيه يا " موريس" ، إنت ونعم الأخ ، وأنا سعيد بوجودي هنا ومتشكر جدا .
تناول " شمس " إفطاره ، وارتدى ملابسه , وقرر التجول في الشوارع المجاورة للفندق ، فور خروجه من باب " راديسون بلو " وجد مقابله حديقة حيوان                 " إنتويرب "،  وهي من معالم المدينة , وأخذ يتجول بين شوارع " حي الماس " ومتاجرها الشهيرة ، والتي كان أبرزها متاجر المجوهرات خاصة " الماس " ، شاهده بجميع أشكاله وألوانه ، يا لها من صناعة مبهرة ونادرة , قرأ عنها شمس كثيراً قبل سفره لبلجيكا ، إنها أهم الصناعات التي اشتهرت بها مدينة " إنتويرب " ، صناعه برع فيها اليهود وسيطروا عليها وتمركز عملهم  " بحي الماس " .
أخذ " شمس "  يتجول بين شوارع المدينة ومتاجر الملابس ، حقاً شعر وكأنه يتجول بين شوارع " وسط البلد "، شارع " شريف " و " طلعت حرب "  و " الشواربي " ، لكن هنا الشوارع نظيفة للغاية ومنظمة جدا ، الأرصفة ليست مرتفعة عن الشارع ، ماذا ينقص " مصر " لكي تكون على هذا المستوى ونحن من نملك العبقرية والحضارة .
مر الوقت سريعاً وهو يتجول في الشوارع وكلما مر الوقت شعر بأُلفة أكبر تبدد كل مشاعر الاغتراب والقلق حتى شعر بالتعب فقرر العودة  ليستريح ويشاهد القنوات المصرية ليطمئن على الأحوال في مصر .

دخل غرفته بالفندق وللمرة الثانية يجد اتصالا من " الروم سيرفيس " يسأله عن الغذاء الذي يُفضل تناوله في غرفته حسب أوامر " مستر موريس "، وهكذا قضى يومه الأول في راحة واستجمام بعيدا عن العمل .

استيقظ في اليوم الثاني له في الساعة السابعة صباحاً ، فهو أول يوم عمل له في " راديسون بلو " ، ليكون في الموعد المحدد لتناول الإفطار مع " موريس وميشال "  برفقة نزلاء الفندق ، وبعد تناول الإفطار طلب " ميشال " الاجتماع بهما بمكتبه .
ميشال : " شمس "  اليوم لدينا مؤتمر هام جداً بقاعة المؤتمرات , ستلقى به الكلمة الافتتاحية ممثلا عن " راديسون بلو  " الراعي للمؤتمر .
شمس : أريد عنوان المؤتمر 
ميشال : المؤتمر " للشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان "  , وعنوان المؤتمر    " حقوق الإنسان وثورات الربيع العربي  " ، حاضر ممثلين من دول " أوروبا  " و" حوض البحر الأبيض " ، والمؤتمر سيبدأ في الساعة الثانية عشر ظهرا ً، أمامك وقت كاف لتجهيز كلمة الافتتاح .
موريس : أعتقد أن كلمة الافتتاح ستكون متميزة عندما تصدر من " شمس "  المصري وهي أهم دولة عربية تشهد ثورة أبهرت العالم 
ميشال : أعتقد ذلك ، والآن يمكنك الذهاب إلى مكتبك لمباشرة أعمالك
خرج " شمس " من المكتب عازماً أن يستهل كل مؤتمر بنبذة عن الحضارة الفرعونية ، فلا يوجد مجال علمي أو فني أو حتى سياسي لم تسبق فيه مصر العالم منذ آلاف السنين ، فليكن تقديمه للمؤتمرات إعلاء لراية مصر وليس لراية " راديسون بلو " فراية الحضارة المصرية إضافة بلا شك لأي راية أخرى توضع إلى جوارها .

بدأ المؤتمر في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً , وكان على يمين المنصة " شمس "  و" موريس "  المدير التنفيذي للفندق يليه " ميشال " المدير العام للفندق الراعي ، ثم رئيس المؤتمر ، يليه أحد الأعضاء الفخريين للمنظمة من " تونس " ، يليه، ممثل " منظمة العفو الدولية  " ببلجيكا كعضو مؤازر ومضيف للمؤتمر .
وقف " شمس"  يُلقى كلمة الافتتاح للمؤتمر ممثلا عن " راديسون بلو " . 
شمس : السادة الحضور أعضاء المؤتمر، مرحباً بكم ، يسر فندق " راديسون بلو " رعاية هذا المؤتمر عن حقوق الإنسان ، التي ارتبطت دائماً بثورات الشعوب التي عانت من سيطرة أنظمة استبدادية , أهدرت حقوق الإنسان وكرامته ، مثل ما يُعرف حالياً بثورات الربيع العربي .
ثورة الإنسان من أجل المطالبة بحقوقه المشروعة عرفتها البشرية منذ آلاف السنين ، لذا سنلقي الضوء على ثورة عرفتها البشرية منذ 4000 عام والتي أفرزت أول مُعتصم في التاريخ .
ما أن نطق " شمس " بتلك الكلمات حتى ساد الصمت أرجاء القاعة ، الجميع مُتلهف لمعرفة هذه الثورة ومن يكون هذا المعتصم .
شمس : وقعت أحداث الثورة في عهد الملك المصري " بيبي الثاني " الذي حكم مصر في سن السادسة حتى أصبح عمره مائة عام ، كانت تلك الثورة منذ أكثر من 2200 عام قبل الميلاد ، تدهورت أحوال المصريين الاقتصادية ، وسأم الناس من حكم هذا الملك الذي لم يعد قادراً على إدارة شئون البلاد ، فقام الشعب بأول ثورة اجتماعية عرفها التاريخ ، عقب هذه الثورة حدث انفلات أمني , كما هو حادث في مصر الآن , لكنه استمر قرابة 120 عاما ، وإذا بتلك الثورة تُفرز مواطنا يعرف حقوقه وواجباته ، يُجيد المطالبة بحقه ، ويصبح أول مُعتصم في التاريخ ، هذا المعتصم هو  " خو ان انبو "  المُلقب بالفلاح الفصيح . 
كان من سكان وادي النطرون ، ترك زوجته وأخذ معه الحمير مُحملة بعشب النطرون وأعشاب أخرى , قاصداً عاصمة مصر , لمقايضة الأعشاب بالأغلال ، وفى طريق سيره مر ببيت " جحوتي نخت  " خادم لدى رئيس الحجاب " رنس بن ميرو" فاستولى على حميره وبضائعه ، فما كان من هذا الفلاح إلا أن وقف عشرة أيام أمام بيت " جحوتى نخت " يصرخ ويقول له : أنا أعرفك أنت تعمل عند " رنس إبن ميرو " كبير الحجاب , رُد إلي بضائعي ، لكنه لم يحرق له قمحا ، ولم يُلق حجرا ، أما الحكومة فبعثت للفلاح المُعتصم بالمأكولات والمشروبات عشرة أيام , وأرسلوا طعاماً لأسرته وقت اعتصامه ، كتب هذا " الفلاح الفصيح " كما أسموه بكتب التاريخ شكاوى للعدالة كانت من أروع الكتابات الأدبية ، فحكم له القضاء المصري  برد ما سُرق منه وتأميم كل ممتلكات "جحوتى نخت " لصالح " الفلاح الفصيح " ، وأن يعمل "جحوتى نخت" خادماً لديه عقاباً له وكان  مما ورد بهذه الشكاوى : 
" أقم العدالة لأنها هامة , لأنها عظيمة , لأنها تدوم "
" لا تسلكن سلوكاً منحازاً , ولا ترد من يتوسل إليك "
" إن العدالة تنزل مع صاحبها إلي الجبانة "
" إن الحاكم هو أبو اليتيم , وزوج الأرملة , وأخ من هجره أهله , ودثار من لا أم له" 
" إن الحاكم هو الذي يوجه الحياة علي الأرض ، وهو الذي يقيم العدل ، وأنه ميزان العدالة , فإذا اهتز أو مال اضطربت الحياة كلها ، وأنه تولي السلطة لإقامة العدل ، وتقصي الحقيقة  , وتطبيق القانون "
اختتم شمس كلماته بتوجيه الشكر لجميع الحاضرين لحسن استماعهم ،  وما كاد ينطق بأخر كلمة حتى ضجت القاعة بتصفيق الحاضرين، حينها لمس مدى تلهف الغرب لمعرفة كل شيء عن كنوز الحضارة الفرعونية ، وأن المصريين حقاً مُقصرين تجاه تعريف العالم بحضارتهم ، وتقديم المعلومات الصحيحة عنها في المحافل الدولية . 
كانت الكلمات الافتتاحية للمؤتمر، والتي تبعت كلمة " شمس " لا تزيد عن كونها كلمات شكر للكلمة الافتتاحية العظيمة التي ألقاها ، والتي أكسبت المؤتمر البُعد التاريخي على حسب تعبيرهم ، لم يكتفوا فقط بالشكر بل قدموا الدعوة " لشمس " ليكون أحد الأعضاء الفخريين الذين تفخر بهم المنظمة أن يكونوا ممثلين لها .
انتهى افتتاح المؤتمر في يومه الأول ، وعقب الافتتاح اجتمع الحاضرين لتناول الغذاء، جلس " شمس " على مائدة الطعام التي جمعته مع " ميشال وموريس "، ومعهم رئيس المؤتمر ، وكبار الأعضاء يتناولون الغذاء في جو ساده كثير من المحبة والود .