‏إظهار الرسائل ذات التسميات محسن عبد السلام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محسن عبد السلام. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 8 سبتمبر 2016

إهداء كتاب لستم أحفادي

إهداء


أهدي

 هذا الكتاب إلى الإنسان العظيم الذي رباني، وعلمني أن أمة بلا تاريخ أمة بلا مستقبل، وأن إنسانا لم يتعلم التاريخ والجغرافيا لم يتعلم شيئا فمن التاريخ نتعلم ألا نكرر أخطاء الماضي، ومن الجغرافيا نعرف قيمتنا بين الأمم، وإمكانياتنا المتاحة، وندرك حجم المؤامرات التي يمكن أن تُحاك لنا .
أهدى هذا الكتاب إلى والدي الذي زارني في منامي أثناء كتابة هذا الكتاب، يقول لي اكتبي فأنا أقرأ ما تكتبين، أهديه إلى من علمني أن الدين لا إفراط ولا تفريط ، فنحن أمة " اقرأ " ، فعلينا أن نقرأ
أهديه إلى من جعلني أجوب معه موانئ العالم وأنا جالسة في مكاني، تعاملت مع كل شعوب الأرض تعرفت على ثقافاتهم المختلفة وأنا لم أقابل أحدا منهم وكأنني كنت أرى العالم بعينيه وأسمعه بلسانه .

أهديه إلى والدي قبطان بحري

محسن أحمد حسين عبد السلام

رحمه الله رحمة واسعة






الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

الإخراج الفني والإعداد: الاستاذ محمد صابر أبو العلا

الإخراج الفني والإعداد:
محمد صابر أبو العلا


مع خالص شكري وتقديري 
للجهد الكبير والتشجيع والدعم المخلص
من الاستاذ محمد صابر
أستاذ التعليم الصناعي بالتربية والتعليم سابقاً
وشريك أغلب الاعمال الادبية 
لادباء وشعراء بورسعيد

مقدمة كتاب لستم أحفادي


مجموعة قصصية ، بدأت بقصة قصيرة كُتبت في يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2010 ، لقد كانت أحوال المصريين لا تنذر بخير في جميع نواح الحياة ، الأحوال المعيشية متدنية ، الأمراض الخطيرة متفشية ، خاصة بعد ما عُرف بصفقة الحبوب المُسرطنة ، وتلوث مياه الشرب ، وانتشار عدوى فيروس سي ، مع وجود رعاية صحية مُتدنية ، القمامة أصبحت أهم معالم الشوارع المصرية ، وسط كل هذا كانت أرواح الكثيرين تطوق إلى الماضي بكل ما فيه من رقي ، وعظمة ، وراية خفاقة لوطن كان ملء السمع والبصر ، لكن هيهات أن تنعم بتلك الاستراحة والفسحة التاريخية ، ستسمع أصواتا عالية تقول لك احترس لسنا أحفاد الفراعنة ، فماذا سيحدث لو أستيقظ الفرعون من رُقاده وشاهد أحوال مصر؟! ، بلا شك سيقول لنا  " لستم أحفادي " .
الفراعنة في أذهان البعض ما هي إلا مجموعة من البشر كونوا جيشا يرأسه الفرعون ، راكباً عجلته الحربية ,لا يفعل شيء سوى المعارك ، فتلخصت الحضارة الفرعونية في معارك , وأهرامات , وتمثال كبير قابع إلى جوارهم ، فضلاً عن المعابد , والتماثيل , والمسلات ، أما القيمة الإنسانية والعلمية لتلك الحضارة , فلا يعلم أحد عنها شيئا . 
رؤية مبتورة , ساهمت في صناعتها المناهج الدراسية المعتمدة على حشو أذهان الطلاب بعدد من تواريخ المعارك , وأسماء أهم الآثار المصرية , دون التطرق إلى القيم الإنسانية لهؤلاء البشر , ومدى تفوقهم وريادتهم في سائر العلوم والفنون ، رؤية مبتورة , ساهم في صناعتها أيضاً العاملين بالحقل الفني والثقافي , حتى باتت تلك الحضارة مُهمشة ، وأصبحنا نصفق لاختراعات الغرب التي تكون في كثير من الأحيان مستوحاة من حضارتنا القديمة ، رؤية ترسخت في ذهن المواطن المصري فبات شاعراً بالضآلة وهو صاحب حضارة تصل إلى ستة عشر ألف عام مثبتة علمياً لدى علماء المصريات ، وليس سبعة آلاف عام كما يزعم البعض . 

وبهذا كانت القصة الأولى في هذا الكتاب عن المصري المعاصر , عندما يقف في مواجهة مع الماضي البعيد ، مواجهة خلفت شعوراً بالمرارة والألم لما وصل إليه حال مصر وأبنائها .
وتمضى أحداث القصة التي ساقتها أقدار الواقع إلى أن يقف الفرعون ذاته شاهداً على أحداث ثورة 25 يناير ليلة جمعة الغضب، ثورة على كل الأوضاع التي رفضها عقل الفرعون ، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن أن يشهد الفرعون تحطيم التاريخ والتراث وسرقته ونهبه ، خزائن تتكسر، جماجم تلقى على الأرض تدهسها الأقدام ، فماذا يكون مستقبل أمة لا تعرف قيمة ماضيها ، فتتساقط دموع فرعون مصر حزناً وأسفاً على أحفاد تدمر التاريخ وتبيع إرث الأجداد بثمن بخس لأعداء الوطن ، فلازالت روحه تصرخ  " لستم أحفادي " .
لكن أبناء الوطن الشرفاء لا ينضبون، فيظهر الشباب الشريف الذي يقف حائطاً بشرياً لحماية تراث الوطن، ويظهر البطل المصري الأثري " محمد عبد الرحمن " ليُعيد الآثار المنهوبة ، ولأن السعادة دائما لا تكتمل في مصر تغفل الدولة عن تكريم " محمد عبد الرحمن "، يوم زيارة رئيس الوزراء " عصام شرف " لوزارة الداخلية لتكريم ضباط شرطة الآثار، ومن خلال مساعي العاملين بالحقل الأثري تم تكريم هذا البطل بجامعة الدول العربية لكي لا يغضب الفرعون مرة ثالثة ويقول لنا  " لستم أحفادي " .

ونتوقف طويلاً في قصة  "شارع رمسيس" والتي سميت بذات اسم الشارع القاهري والذي يقع في امتداده متحف الآثار المصرية ، وعلى جانبي طريقه الكثير من المحال تحمل أسم الشارع، بهذا الشارع يعيش أبناء مصر المحروسة ممن يطلق عليهم أولاد البلد، منهم التاجر والموظف، ورجل الدين، ومنهم أيضا أحد العاملين بالقطاع السياحي من الذين أثرت الثورة تأثيراً بالغاً على أحوالهم المادية والمعيشية ، فيضطر إلى مغادرة البلاد ، وفى الخارج سرعان ما ينجح المصري وتتجلى حقيقة معدنه النفيس فيظهر عملاقا شامخا ، أبهر العالم بحضارته الفرعونية والإسلامية ، عندما كان دارساً وباحثاً متمكناً ظهرت عظمة الإنسان المصري على سائر جنسيات العالم .

ثم نتوقف في المحطة الأخيرة عند قصة "  ماريونيت  " التي تروى لنا عن واقع مفزع نعايشه , ومشاهد مروعة أصبحت مفروضة علينا وعلى العالم من بعض شرار البشر ممن يسمون " داعش " , يدعون أنهم يملكون صحيح الإسلام ، وكأن الله لم يهد سواهم ، نتوقف عند تشويه الإسلام والعمل ضده تحت راية الإسلام ، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فتنتفض مشاعر من تمسكوا بسماحة ووسطية الإسلام , وهدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقولون ما هذا بإسلام ، بل انتفض التاريخ كله بسائر عصوره ، بل بكل من فيه من عظماء المسلمين ، ليبعثوا لنا برسالة واحدة مفادها كلمتان " لستم أحفادنا " 

أيها الإنسان المصري المعاصر ، الفرعون يصرخ ويقول لك " لستم أحفادي " دون أن ينتظر أن يسمعها هو منك 
أيها الإنسان المسلم المعاصر، رموز التاريخ الإسلامي ينتفضون ويقولون لك " لستم أحفادنا  " فلا تتحدثوا عنا

والآن عليك أن تقرأ أولاً لتعرف من أنت , وماذا تريد أن تكون ، عليك أن تقرأ التاريخ ، تاريخ مصر ، وتاريخ الإسلام ، فإما أن تصبح إنسانا يفخر به أجداده , وإما تصبح ملعوناً منهم ، تسير في ظلمات تتخبط فيها، وتُذكر ملعونا في صفحات التاريخ
                                                                                                                                                                                                                                            ناني محسن      
14مارس 2015 الساعة 7 مساء 

الفصل الأول - عودة رمسيس الثاني

كُتبت في يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2010 الساعة الواحدة ظهراً
و بعد مرور أربعة أعوام من القصة حدث خلالهم ثورتين 
لازالت كل المشاهد قائمة لم تتغير




" عودة رمسيس الثاني "
----------------------------

داخل متحف الآثار المصرية بميدان التحرير، وقفت أمام مومياء رمسيس الثاني ، أتأمل هذا الملك العظيم ، شعرت بالتعب ، جلست على السلم لأرتاح قليلاً ، لا أعلم ماذا حدث ؟، ربما أُغشى علي ً، فجأة وجدت يداً تهزني ، تحاول إفاقتي ، فتحت عيناي فإذا بى ليلاُ وأمامي رجل في زي فرعوني ،  لا تشك عندما تراه أنه مِلكاً عظيماً من بهائه و شموخه 
من أنت ؟ 
قال : أنا رمسيس الثاني 
فزعت، قلت : كيف ؟ إن رمسيس الثاني مات من آلاف السنين !  
قال : بل أنا ... لقد عادت لي الحياة ، استيقظت من رقادي فوجدتك ترقدين على هذا السلم ، فحاولت إفاقتك ، قولي لي كم من الأعوام مرت على رقادي ؟  
قلت في ذهول : آلاف الأعوام ... ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام 
قال : كأنها مرت ساعات، هيا بنا 
قلت : إلى أين ؟ 
قال : إلى الخارج 
قلت : كيف ستخرج بزيك هذا ؟ لو رآك الناس لأودعوك مصحة الأمراض العقلية . 
قال : أنا رمسيس الثاني أودع في مصحة للأمراض العقلية ! 
قلت : ومن يصدق أنك رمسيس الثاني ؟ !  هل رأيت ميتاً عاد إلى الحياة من قبل ؟ 
قال : وماذا عليً أن أفعل الآن ؟ هل سأظل هنا راقداً في هذا التابوت ؟!
قلت : لا , ولكن لننتظر حتى الصباح، حتى نجد طريقة للفرار من هنا . 
ساعات مضت حتى أضاء نور الصباح أركان المتحف، فُتحت الأبواب في موعدها، تسللنا خارج الأبواب، جعلته يختبئ في مكان بعيد عن الأعين، تركته وسرعان ما عُدت إليه حاملة له ملابس عصرنا ليرتديها، ثم غادرنا المكان، انطلقنا إلى الشوارع 
ليرى رمسيس الثاني لأول مرة  مصر الحديثة . 
وطئت قدمانا الطريق، السيارات تمر مُسرعة، فينظر إليها رمسيس فزعاً متسائلاً ما هذا ؟ 
قلت : إنها عربات مثل عرباتكم، لكنها بدون خيول، عربات آلية، تعمل بالماكينات وزيت للوقود
قال : إذن هي من صنع أحفادي ؟ 
خجلت أن أقول الحقيقة لجدي،  فقلت : نعم يا جدي .
ثم انحدرنا إلى شارع جانبي، وجدنا أكواما من القمامة، نظر إليها الفرعون قائلاً : هكذا يصنع أعداء مصر ليشوهوا صورتها   
خجلت وقلت : نعم يا جدي .
قال : أما زالت مصر تقود العالم ؟، أما زالت فتوحات جيشنا مستمرة ؟  
خجلت أن أصدمه بالحقيقة فقلت : نعم يا جدي 
قال : ولماذا تتركون الأعداء يلقون بتلك القمامة في الطرقات ؟ 
قلت له : لا بأس إن جيشنا سيردعهم 
قال : حسناً .
وبعد خطوات قال لي : يا حفيدتي أريد مقابلة أطباء مصر 
قلت : ولماذا الأطباء ؟ 
قال : إن مصر مشهورة بأطبائها العظماء 
قلت : لا بأس، سنذهب لمقابلة الأطباء في أقرب مستشفى، لكن أرجوك لا تخبرهم أنك رمسيس الثاني 
قال : حسناً، لكن ما هي المستشفى ؟ 
قلت : إنها مصحة للشفاء، مبنى يسكنه المرضى، يتلقون فيه علاجهم ثم يخرجون منه بعد تماثلهم للشفاء
قال : وهل يوجد بهذه المستشفى أطباء متخصصين 
قلت : أطباء متخصصين !!! وهل تعرفون التخصصات الطبية يا جدي
قال : نعم، كان لدينا أطباء متخصصين ، فكل طبيب متخصص في علاج نوع واحد فقط من الأمراض ، فيوجد طبيب لعلاج أوجاع البطن ، وطبيب لعلاج أوجاع الأسنان ، وطبيب لعلاج أوجاع العظام ، وطبيب لعلاج أوجاع الرأس ، وطبيب لعلاج أوجاع العيون ، وهكذا كل طبيب يعالج المريض في تخصصه فقط .
قلت : عجيب، كل هذا في العصر الفرعوني 
قال : نعم يا بنيتي ، قولي لي هل تُجرون عمليات جراحية في هذه المستشفى 
قلت : عمليات جراحية !! كدت أشك أنك رمسيس الثاني ، وهل توجد لدى الفراعنة عمليات جراحية ، لا ... لا , مستحيل العمليات تحتاج غرف عمليات وآلات طبية وتخدير و ..... لا يمكن ، لا أصدق .
قال : نعم ، نعم , يوجد لدينا جراحات ، وآلات ، وتخدير ، مصر المملكة الوحيدة التي استطاعت إجراء جراحات بالمخ دون أن يتوفى المريض ، كان يعيش ويستكمل حياته بصحة جيدة ، كان لدينا متخصصين في علم التشريح ، وعلماء في التحنيط ، بنيتي ألم تدرسين تاريخ أجدادك ؟
خجلت أن أقول لجدي الحقيقة فقلت : إن ما درسناه مرتبط بإنجازات الجيش العظيمة , وبناء المقابر والمعابد ، لكن هذه الإنجازات الطبية سندرسها لاحقا 
قال : حسناً، لنذهب إلى المستشفى فأنا متشوق لرؤية أطباءنا العظماء 

ذهبنا إلى أقرب مستشفى ، طلبنا مقابلة الطبيب ، قالوا لنا : "مفيش دكتور، لو فيه حد تعبان استنوا ساعتين "  ، فإذا بنا نسمع صراخ الناس يلعنون المستشفى والأطباء .
قال جدي : وهل أُهين الطبيب المصري إلى هذا الحد ؟! مال هؤلاء ؟؟ ، 
قلت : إنهم مرضى السرطان ، سئموا من انتظار الطبيب ، وأحل بهم التعب
قال : وما السرطان 
قلت : مرض خطير أصاب الكثيرين  
قال : وما سببه  
قلت : الحبوب .... 
قال : أي حبوب ؟ 
خجلت أن أقول الحقيقة ، فقلت : أكلوا طعاما من الأعداء

خرجنا من المستشفى ، وجدنا شخصا يأكل الطعام من أكوام القمامة ، فنظر إليه ممتعضا قائلاً  : أمجنون هذا ؟ 
قلت : لا بل فقير 
قال : وكم فقير في مصر ؟ 
خجلت أن أقول الحقيقة، فقلت : ليسوا كثيرين 
قال : إذن كم عددهم ؟ 
قلت له : يا جدي لا تقلق كل شيء سيكون على ما يرام . 

ثم مشينا في طريق فوجدنا شاب على دراجة بخارية يخطف حقيبة سيدة,  فتصرخ مستغيثة ، فيصرخ رمسيس قائلا : أين جنودنا ليلحقوا به , إنه عدو يريد أن يُسيء إلى مصر ، أراكم تهاونتم مع أعدائنا حتى غرهم الصبر
قلت : إن جنودنا حتماً سيلحقوا به  . 

ثم مشينا في طريق أخر فوجدنا مُعاقين يتظاهرون، وآخرون يُطالبون بتغيير، وعمال يطالبون برفع الأجور، نظر إلى التظاهرات قائلاً : هؤلاء أيضاً أعداء  
قلت : لا ليسوا أعداء
قال : إذن أنت العدو، أنت من تريدين تشويه صورة المصريين في عيني ، أراك تُريني كل قبيح 
صرخت قائلة : كفاك يا جدي أنا كاذبة ، من صنع السيارات ليسوا مصريين، ومن ألقوا بالقمامة في الشوارع ليسوا أعداء بل هم مصريين ، ومرضى السرطان لم يأكلوا طعاماً من الأعداء ، بل أكلوا حبوبا تحمل المرض، أكلوا من زروع مصر، والأطباء لا يكترثون بالمرضى , والمتظاهرين ليسوا أعداء إنهم أصحاب حقوق ، إن مصر تغيرت فلم تعد الأمة الأولى في العالم 
قال : لم تعد الأولى ! فكم أصبحت ؟ الثانية   
قلت : لا  
قال : فماذا إذن ؟ 
قلت : لا أعرف المائة وربما أكثر 
قال : أكنت تكذبين ؟ 
قلت : نعم أنا كاذبة ..... كاذبة ..... كاذبة . 
فصرخ الفرعون قائلاً : " لستم أحفادي " .... " لستم أحفادي "، ثم ذهب بعيداً وهو يصرخ " لستم أحفادي " ..... وسرعان ما اختفى كأنة حلم تلاشى 
رجعت إلى المتحف فوجدته نائماً في لفافاته الكتان فبكيت بجانبه وقلت له : سامحني يا جدي لأني قلت لك الحقيقة،  سامحني، حقاً لسنا أحفادك .

الفصل 4 - شارع رمسيس ج3


شمس : حسناً سيدي الباحث إن اجتهادك البحثي تضمن أكثر من إشكالية تستوجب الرد عليها ، وإن أول إشكالية  , أن قوم عاد من أهل مصر ، ودليلك أن الله وهبهم جنات وعيون ، و الرد على هذه الإشكالية أن خريطة الطقس المناخي للأرض قد تغيرت على مدار السنين , فقد كانت شبه الجزيرة العربية مروجاً وأنهاراً قبل أن تصبح أرضاً صحراوية , وذلك بنص حديث رسول الله " لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا "، إذن كانت شبه الجزيرة أرضا خصبة مزدهرة وليست صحراء قاحلة ، وقد مر على الأرض أربع دورات جليدية بينهم دورات دافئة ،  لقد كانت شبه الجزيرة أرضا خصبة خلابة ، بل أن الكثير من علماء الجيولوجيا والآثار والمستشرقين يؤكدون أن رمال شبه الجزيرة تُخفى تحتها آثار حضارات عظيمة وراقية ، ومما يرويه شيوخ شبه الجزيرة عن نسر سيدنا سليمان أنه كان نسرا عجوزا ، فسأله سيدنا سليمان عن الملوك الذين عاصرهم فقال : عاصرت الملك " شداد بن عاد " فقال سليمان : وأين جنته ؟ فأخذه النسر حيث تكون فوجدها مردومة بالرمال فأمر سليمان الريح بإزالة الرمال , فرأى جنة عاد , ثم أمر الريح بإعادة ردمها كما كانت ، ربما تكشف لنا الحفريات يوما عن آثار تلك الحضارات القديمة .

أما الإشكالية الثانية , فهي السؤال الذي طرحته أين أدوات المصريين التي قطعوا بها الأحجار ؟ وبالمثل أين أدوات عاد التي قطعوا بها الأحجار ؟ فكلاهما كان سيحتاج أدوات لتقطيع الأحجار بهذا الشكل المنتظم فهذا ليس دليلاً ينفى عن المصريين بناءهم للأهرامات .

طرحت إشكالية ثالثة ، أن الفراعنة سرقوا أبنية عاد ونقشوا عليها كتاباتهم ، فلماذا لم ينقش عليها قوم عاد أنفسهم ؟ وإذا كانت البرديات ونقوش الجداريات كاذبة فلماذا لم يُكذب كل ملك من ملوك الفراعنة من سبقه , وينسب كل الأعمال التي سبقته إلى نفسه , لنعرف من التضارب أن جميعهم كاذبون ؟ إن الحضارة المصرية لم تكن أبنية فقط ، بل كانت طبا وفلكا وموسيقى وعلوما كثيرة , فهل اكتفى قوم عاد بالبناء فقط , وكان المصريين أصحاب سائر العلوم المختلفة ؟ أم أن الواقع يقول إنها حضارة متكاملة الأركان والعلوم , والدليل على ذلك المومياوات التي تم تحنيطها لم تكن لقوم عاد العمالقة ، بل كانت لبشر ذوي أحجام عادية ، إذن قوم عاد لم يعرفوا التحنيط ، فالمنطق يقول أن العقلية التي استطاعت تحنيط المومياوات لآلاف السنين هي نفسها التي شيدت الأهرامات . 

في تلك اللحظة قطع كلام " شمس "انفعال أحد الحضور المصريين أسمه " محمد عمران " وهو يقول : لا عليك "مستر شمس " لن نقول أن عادا هم بناة الأهرام , لكن الجن هم بناة الأهرام , وهو ثابت بكتاب الله أن سيدنا سليمان قام بتسخير الجن ، ولا أحد ينكر أن الفراعنة كانوا أباطرة السحر ، لا أحد ينكر هذا .
شمس : وكم هرم قام ببنائه الجن ؟، ولماذا فشلت المحاولات الأولى لهم في بناء الهرم حتى انه يوجد هرم غير مكتمل؟ ، وهناك سؤال أخر ، هل للجن أياد بيضاء على كافة العلوم والفنون في مصر القديمة  ؟
السادة والسيدات إليكم المفاجأة التي لا ولن تُصادم العقل بل وتثبت الإعجاز العلمي في آيات القرآن الكريم ، فقد أجريت عدة أبحاث على أحجار الهرم أثبتت أن الهرم تم بناءه من نوعين من الأحجار ، أحدهما أحجار طبيعية موجودة بقاعدة الهرم ، والأخر أحجار صناعية من خلال مزج الطين الكلسي المعالج حرارياً بالموقد ، أي الطين المُنصهر مع الملح , بعدها يتم تبخير الماء منه مما يشكل مزيجاً طينياً ، ثم يُحمل هذا المزيج ويُصب في قوالب خشبية  في المكان المخصص على جدار الهرم لتأخذ شكل الحجر الطبيعي ، أي أن الهرم تم بنائه بحمل الطين وصبه في قوالب كما يفعل عمال المعمار حالياً في مصر ، عندما يحملون " قصعة المونة " ويصعدون بها في بناء العمارات ، وقد نُشرت تلك الدراسات في جريدة التايمز الأمريكية  بعددها الصادر بتاريخ أول ديسمبر2006، كما تقول دراسة أخرى أجراها العالم "ميشال جورج برسوم Michel Barsoum" " أستاذ هندسة المواد بجامعة           " دريكسل " بفيلادلفيا في بنسلفانيا ، ومعه أثنين من زملائه ، قاموا خلال الدراسة بتحليل ثلاث عينات من أحجار الهرم الأكبر ، أثبتت أن النار ظلت موقده  عشرين عاما لتصنيع الخرسانة التي استخدمت في بناء الهرم  من الطين المنصهر، وهى أول خرسانة استخدمت منذ 2500ق.م أي منذ 4500عام وقد نشرت الدراسة في مجلة "Journal of the American Ceramic Society  " ، وهذه الدراسات أكدها عدد من الباحثين منهم البروفسور "     " Gilles Hug  والبروفسور" " Davidovits  ،  والعالم البلجيكي" "Guy Demortier، والبروفسور الفرنسي" " Joseph Davidovits ولإثبات تلك الحقيقة عملياً , أدعو حضراتكم لزيارة الهرم الأكبر , والصعود لغرفة الدفن , ومحاولة تمرير شفرة حلاقة بين الأحجار الداخلية في الغرفة ، أؤكد لكم أنها لن تمر , ومعنى ذلك عدم وجود فراغات بين الأحجار ، أي أنها ملتصقة تمام الالتصاق ، فلو كانت وضعت الأحجار المقطعة متجاورة لما حدث التصاق بينها بهذا الشكل ، إذن هناك مادة جعلت الأحجار تلتصق وهذا مستحيل ، لأن الحقيقة أنها بنيت بكيفية تضمن التصاق الأحجار وهو ما تم من خلال الطين المنصهر ، فوضع الأحجار المتجاورة مع هذا الارتفاع وعوامل الزمن , كان سيؤدي لدفع الأحجار إلى الخارج وسقوطها حجر تلو الأخر , لكن الواقع أنها وحدة واحدة مترابطة ملتصقة بنيت بالطين المنصهر .
تأتى تلك الدراسات لتتطابق مع النص القرآني في قوله تعالى :
  
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٣٨﴾ القصص: ٣٨   القصص: ٣٨
إن القرآن الكريم لم يُصادم يوماً العلم أو الحقائق التاريخية ، بل نحن من نخلق تلك الإشكالية عندما تعجز عقولنا عن تصديق أمور لم نصل لتفسير علمي لها تقبله عقولنا  لقصور العلم لدينا ، فنضع فروضا من وحى الخيال ، ونبحث عن آيات نطوع تفسيرها ليوافق ما افترضناه ، ومن يخالفه نتهمه بمخالفة الدين ، وليس مخالفة ما اجتهدنا فيه نحن .
محمد عمران : عجباً لك أنت وأمثالك ، تدافعون عن الحضارة الفرعونية أكثر مما تدافعون عن الإسلام ، لماذا تصرون أننا أحفاد الفراعنة ، وتتجاهلون الإسلام  وكفى به حضارة ، نحن مسلمون ولسنا فراعنة ، آن الأوان أن نتبرأ من هذه الحضارة العفنة ، وهؤلاء الكفار الذين أهلكهم الله ، ولعنهم بكفرهم ، فكان أولى بنا هدم تلك الأصنام وتحطيمها .
موريس : قال ساخراً، عجباً لكم ، تظنون أنكم تعيشون وحدكم في هذا العالم ، أحرارا بلا قيود ، بلا قوانين دولية تحكمكم ، آثار مصر ليست ملكاً لكم بل هي ملك العالم , يشرف عليها اليونسكو ، وإن كانت تؤرقكم تلك الحضارة العفنة كما تقولون ، لتتخلوا عنها لأصحابها الحقيقيين , أعطوها لمن صنعوها بالسخرة أعطوها للعبرانيين ، نحن أصحاب تلك الحضارة ولن نحطمها مثلكم ، فنحن نعرف جيداً قيمة التاريخ والآثار ، فمن بنى شيئا لا يمكن أن يهدمه ، لو كنتم أصحاب حضارة كما تزعمون لحافظتم عليها وعرفتم قيمتها .
شمس : الملاحظ هو محاولات البعض الجاهدة حتى من المصريين أنفسهم , أن تُثبت بأي حال أن الفراعنة ليسوا أصحاب تلك الحضارة ، حتى وإن نسبوها للجن كما لو كانت عارا يفرون منه ، لقد قال الله تعالى : 
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَوَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْيَظْلِمُونَ ﴿٩﴾

فإن حطمنا آثار من سبقونا في الأرض , فمن أين نأخذ العبرة والعظة ؟  إن الآثار موجودة نتعلم منها التاريخ لنتعظ به لا لنتعبده ، أما دفاعاً عن هذه الحضارة العفنة كما تقول فقد استمرت تلك الحضارة لآلاف السنين قبل الميلاد ، كانت مصر شمس علومها تضيء العالم , وشعب كان مضرب الأمثال في الرقي والانضباط وتقديس كل المعاني الإنسانية ، وأذكر الآن حديث لنبي الله محمد صلى عليه وسلم و هو يقول :  "  خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسلام إِذَا فَقِهُوا " وأهل مصر كانوا دائماً من خير شعوب الأرض قبل الإسلام , لذلك عندما أسلموا صح إسلامهم وأصبحت مصر منارة لعلوم الدين تمثلت في الأزهر الشريف.
محمد عمران : لا ، أنت تُقول حديث رسول الله تقويلا خاطئا , وتحمله أكثر مما يحتمل , لنرجع لنص الحديث عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قِيلَ : " يا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ ؟ قَالَ : أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ : فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَنِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسلام إِذَا فَقِهُوا" فالحديث هنا عن معادن العرب , وليس الشعوب ككل لم تكن مصر عربية .
شمس : حسناً المقصد هو معدن الإنسان إن طاب وصلح في الجاهلية صلح في الإسلام ، وإن جعلنا الحديث مخصصاً عن مصر فقد أقر رسول الله أنهم قوم خير  وعلم , فيهم الخير حتى قبل وصول الإسلام لهم فقد روى مسلم في صحيحة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ، وقال أيضا عليه أفضل الصلاة والسلام : "اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً ،وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ" أخرجه الطبراني في الكبير ، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، نعم كانت مصر قبطية في عهد رسول الله، عندما أوصانا بأهلها ولكن ألم يكن هذا الشعب هو نفسه أحفاد المصريين أبناء مصر الفرعونية، وما ذكرته من أحاديث صحيحة وثابتة .
إن ما حمله المعدن المصري من طيبة وسماحة وخير هو ما جعل المسيحية تنتشر في مصر كأول ديانة سماوية يعتنقها المصريين ويؤمنون بها بوجود الله ، ثم اعتنقوا الإسلام بعد الفتح ودخلوه عن حب وقناعة ، بهذه الروح الطيبة المؤمنة المحبة لله بكل ما تحمله من خير ، وإن كانت الظروف العصيبة التي مرت بها مصر جعلت هناك تغيرات تطرأ على تلك الشخصية المصرية إلا أن معدن المصري يظهر دائماً في الأوقات العصيبة ، أثق أن هذا المعدن لازال باقياً .
سامر : ألا يوجد بالإسلام من حضارة ما يكفى للفخر به ، فأي شرف بعد الإسلام والحضارة الإسلامية ، فلماذا نترك الفخر بالإسلام ونبحث عن حضارة كافرة ننتسب لها .
لكن هذه المرة كان المتحدث باحثا إنجليزيا قال : قرأت الكثير عن الإسلام ، حقاً دين جميل يروي لنا القصص عن الأنبياء والرسل ، يحدد علاقاتك بالآخر، يضع أسس للمعاملات بين الناس ، وجدتها جميعاً أسسا طيبة ، أما أفعالكم على عكس ما هو موجود في كتبكم تماماً ، أجدكم تكذبون , ودينكم ينهاكم عن الكذب ، تسبون , وتقولون أن دينكم ينهاكم عن الشتم والسب ، تسرقون وتقولون أن الإسلام أمركم بقطع يد السارق ، لا تحترمون الوقت , وتقولون أنه أول شيء تُحاسبون عليه بعد الموت ، تستحلون الأموال المُحرمة , وتقولون انه أول شيء يدخلكم النار ، أجد فيكم لغة الغطرسة والتعالي رغم أن دينكم يأمركم بالتواضع ، تغترون بتدينكم وتتهمون الآخرين بالكفر , ثم تنتظرون من الآخر المحبة والتقدير والإيمان بما تعتقدون ، المتدينين منكم ينتهجون التشدد والمغالاة ثم تقولون إن الإسلام دين يُسر لا عُسر ، تهتمون بالمظهر الديني أكثر مما تهتمون بجوهر الدين ، لا تهتمون بالنظافة وتقولون أنها من الإيمان ، تقدرون الأغنياء وتتعالون على الفقراء ، القانون في بلادكم يطبق على الضعفاء ، فهل أنتم حقاً أبناء الحضارة الإسلامية ؟  أرى أن أفعالكم لا تدل على ذلك ، أو أنكم لا تؤمنون بها كما تدعون .
سامر : أذن عليك أن تأخذ بما قرأت و تترك الأفعال الفاسدة
الباحث الإنجليزي : وهل لزاماً على كل إنسان أن يقرأ كتبكم ليكتشف أنه دين يأمر بالخير ، لأن أفعالكم مغايرة تماماً لما ورد في كتبكم  ؟ ألا تشعرون أن أفعالكم هي السبب الأول في الإساءة إلى الإسلام ولنبيكم محمد ؟  حاسبوا أنفسكم أولاً على الإساءة إلى الدين والنبي قبل أن تحاسبوا العالم ، ولا تتوقعوا من الآخرين أن يعمل جميعهم باحثين ومستشرقين ليكتشفوا الحقائق ، فهم يتعرفون على الإسلام من خلالكم .
كانت كلمات الباحث الإنجليزي صادمة لسامر ولغيره من المسلمين بالمؤتمر، فهل أفعال المسلمين تعبر عن كونهم أبناء الحضارة الإسلامية ؟  بالطبع لا، وللأسف كانت كلمات الباحث الإنجليزي في لحظة تبرأ فيها الباحث المصري وغيره كثيرين من الحضارة الفرعونية ، في نفس الوقت الذي لا يمثلون الحضارة الإسلامية ، فبدوا في المؤتمر وكأنهم متجردين من كل جذر حضاري، فمن أين يأتي المستقبل ؟
كان وسط كل هذا الجدل وجها سعيدا مُبتسما ، يشعر بنشوة الانتصار ، إنه         " موريس "، يرى بعينه مصري يُكذب " شمس " ويحاول تحطيم أسطورة حضارته الفرعونية التي يتشدق بها , ويجرد التاريخ المصري من عظمته ، رأى أيضاً المسلمين في عيون العالم بصورة لا تدعوا للتفاخر أو الاحترام ، فما حدث بهذا المؤتمر فاق بكثير طموحاته في رد الصفعة التاريخية والحضارية التي وجهها له     " شمس "، وكان رد الصفعة بيد مصرية ، وكأن لسان حاله يقول شهد شاهد من أهلها .
ابتسم " موريس " وقال " لميشال"  بصوت سمعه " شمس " : حسناً ليسوا أصحاب حضارة فرعونية عظيمة كما يدعون بشهادتهم هم ، وليس حالهم كمسلمين مدعاة للتفاخر بهذا الإسلام الذي يدعون أنه دين الرحمة ومكارم الأخلاق ، الإسلام هذا لن يتعدى كونه أكذوبة صدقوها , وحالهم يعبر عن حقيقة هذا الدين الذي يحمل في طياته العنف والكراهية ، عليهم أن يعرفوا أولاً من هم قبل أن يتحدثوا عن العبرانيين ، اليهود شعب الله المختار .
كاد قلب " شمس " أن ينخلع حزناً وألماً من كلمات " موريس " التي اخترقت مسامعه ، هكذا تحول المؤتمر لصدام حضارات وليس حوار حضارات ، فما كان من " شمس "  إلا أن يستجمع قواه و يأخذ طرف الحديث و ينهى هذا الهراء ويقول :
السادة الحضور أعضاء المؤتمر ، حقاً من ليس له ماض ليس له مستقبل ، فعلينا أن نعرف من نكون ، لنعرف ماذا نريد أن نصبح ، إن كنا فراعنة فالحضارة الفرعونية مليئة بالقيم والمثل العليا ، فلنتعلمها جيداً لأنها ستغير كثيراً من شكل الحياة في مصر ، وإن كنا مسلمين فعلينا أن نتبع هدي النبي محمد في معاملاته وخلقه ، وإن ظللنا على ما نحن عليه فلن نكون إلا عدة ملايين من البشر بلا ماض وبلا مستقبل ، وهكذا سائر الحضارات تحمل من القيم والأخلاقيات ما يجب التمسك به ، أما عن الدين فإنني أذكر قول صديقي المسيحي بمصر إن الديانات تتوافق ولا تتطابق ، خالص الشكر والتحية لكم جميعاً . 
انصرف " شمس " سريعاً من القاعة يملؤه الغضب والحزن ، كيف مرت كل هذه المدة لم يكتشف فيها حقيقة " موريس " صديقه ، وكيف تُهان الحضارة المصرية الفرعونية بهذا الشكل في محفل دولي بأيد مصرية ، بل كيف يصبح المسلمين بهذا الشكل السيئ في أعين العالم ، ويكون أول من يسعد بهذا كله هو " موريس " ، هل استغنى المصريون بهذه السهولة عن حضارتهم ، حقاً إنها كوميديا سوداء ,. فإسرائيل تلهث وراء آثار لها في المنطقة لتمنح نفسها مبررا وسندا تاريخيا وحقا مكتسبا ليس في فلسطين فقط بل من النيل إلى الفرات ، ونحن بكل بساطة نمنحهم تلك الحجة ، غير مكترثين بالعواقب ، ثم نتباهى بكوننا مسلمين ونحن نُقدم الإسلام في أسوأ صورة ، كأننا نقول للعالم هذا هو الإسلام ، فأي مجنون هذا الذي يتبع أو يحترم دينا أصحابه على هذا الحال ، نعم لن يعمل الجميع باحثين ومستشرقين كما قال الباحث الإنجليزي ، هكذا كانت الأفكار تتصارع في عقل شمس والألم يعتصر قلبه .
لكن ما حدث بالقاعة لم يكن كافياً ليشعر " موريس " بنشوة الانتصار ، بل أراد التطلع في عين " شمس " لتزداد سعادته بما يراه من ألم وحسرة وضيق .
ذهب " شمس " إلى مكتبه تاركاً القاعة بعد صدام الحضارات وتلك النقاشات الساخنة ففتح " موريس " الباب و قال له : شفت ازاي حتى كتابكم المقدس ب ينفي إن الحضارة المصرية من صنع الفراعنة ، علشان تتأكد من صدق كلامي ، وإني كنت على حق يا ابن عمي .
شمس : و من إمتى يا "  موريس "  أنتم مؤمنين بالقرآن أو حتى بالإسلام ؟  وأفتكر إني رديت على الباحث اللي أتكلم بالعلم والمنطق ، وعلى فكره اللي قاله الباحث ده اسمه استدلال مش نص قاطع ، مجرد استدلال خاطئ ، ورديت عليه ، أنا مؤمن بالقرآن وعاشق للإسلام وفخور به ، وبالنسبة لفرعون الخروج فأنا مؤمن إن فرعون طرد موسى من مصر وفق ما ورد بالقرآن ، لكن أيضا القرآن لم يذكر اسمه .
موريس : الفرعون هو " رمسيس الثاني " 
شمس : النهارده بس فهمت ليه كنت رافض إننا ندخل مطعم " رمسيس " ، لأنه فرعون الخروج ، إنت رافضه حتى لو كان مجرد اسم لمطعم ، رغم إنك مش قادر ترد على كلامي ، فيه 11 قرن فرق من الزمان بين بناء الهرم وبين " رمسيس الثاني " 
موريس : أيوه  " رمسيس " طرد اليهود من مصر زي ما عمل " عبد الناصر " تمام
شمس : " عبد الناصر " ما طردش اليهود من مصر ، بدليل انه فيه عائلات يهودية لغاية  النهارده  عايشة في مصر ، رفضوا يهاجروا لحبهم لمصر ، قابلتهم أثناء رحلات ليهم في المتحف المصري ، والحقيقة إنه سفر جدك من مصر أكيد كان بناء عن طلب المنظمة الصهيونية ، علشان تسيطروا على صناعة الماس في بلجيكا اللي بالفعل النهاردة تحت إيدين اليهود ، يعنى جدك قام بالدور المطلوب منه بالضبط .
في هذه اللحظة دخل " ميشال " الذي كان يخشى من احتدام الخلاف بين              " شمس"  و" موريس "، فكلاهما صديقه وكلاهما لا يستغني عنه " راديسون بلو "، وكان من الضروري أن يعبر بهما إلى منطقة التصالح لصالح العمل ، فأستكمل " شمس " كلامه بالهولندية لكي يفهم " ميشال " حوارهما .
شمس : " شاؤول " لماذا أخفيت عني أنك يهودي ؟
موريس : الآن أصبحت " شاؤول " وليس " موريس " صديقك ، حسناً، أخفيت لكي لا يحدث ما حدث بيننا الآن وأنا أحبك ، " ميشال " يعلم جيداً أني أحبك ، لهذا طلبت منه ألا يخبرك أني يهودي ، مع الأسف أنتم تنبذون الآخر ، لا ترون أنفسكم على حقيقتها ، أنتم فقط من ترون دينكم يدعوا للمحبة والتسامح بينما تُصدرون العنف والإرهاب للعالم كل ه، فكل كلمة ذكرها الباحث الإنجليزي حقيقة لا تملكون تكذيبها .
شمس : الباحث الإنجليزي قال أن هناك تباين بين ما يدعو له الإسلام وبين أفعال المسلمين ، وهذا يُسمى الفرق بين النظرية والتطبيق ، ديننا لا ينبذ الآخر ، عندما قال لنا القرآن أن موسى نبي الله قلنا آمين ، وعندما قال أن فرعون أضطهد اليهود وأخرجهم من مصر قلنا آمين ، نعم اختلفنا حول الحقبة التاريخية لخروج اليهود وإدعائكم بناء الهرم ، لكن لم نُكذب ما رواه القرآن ، وعندما قال لنا القرآن أن المسيح ابن مريم العذراء قلنا آمين ، وعندما أمرنا ديننا أن نؤمن بكل الأنبياء والرسل قلنا أمين ، لم ننبذ اليهودية ولا المسيحية ، لم نتهم ، لم نسخر ، لم نتهكم ، لم نشكك ، أما عن الإرهاب الذي نصدره فلتبحث عن مُموله ، ستجد أموالكم مصدر تمويل لضعاف النفوس والإيمان ، وعندما تحب أن ترى مظاهر الإرهاب فلتشاهد ما حدث بصبرا وشاتيلا و دير ياسين وغيرها من المذابح بالأرض المحتلة ، فماذا يكون الإرهاب إن لم يكن هذا هو الإرهاب .
موريس : نحن ندافع عن وطننا الذي قمنا باسترداده بعد أن سُلب منا .
شمس : مع الأسف ، كنتم شعب الله المختار ، فعصيتم ، فعاقبكم الله بالذلة والمسكنة والشتات ، وغروركم صور لكم أنكم فقط من عرف الرب ، والحقيقة أن هناك من البشر من عرفوا الرب أكثر منكم ، وصدق إيمانهم فكانوا أكثر منكم محبة وسلام وتسامح ، الإيمان الصادق لا يمكن أن يقود الإنسان إلى العنف والغل والحقد ، والآن تريدون من العالم بأسره أن يدفع ثمن جحودكم وقتلكم الأنبياء بغير حق ، بدلاً من أن تكفروا عن خطاياكم ، وأنتم تعلمون هذا .
ميشال : " موريس " أرجوك كفاك نقاشا واذهب إلى مكتبك ، وأنت يا " شمس " أرى أن الإجهاد أصابك ، اذهب إلى غرفتك الآن لتستريح .

الفصل 4 - شارع رمسيس ج4

عاد " شمس وميشال " إلى عملهما ، وبعد أسبوع عزم " ميشال " على السفر إلى بروكسل مرة أخرى بناء على طلب محامي العم ، لكن هذه المرة لم يطلب             " شمس " منه مرافقته في سفره ، بل تمنى له فقط رحلة موفقة والعودة بسلام .
وبعد عودته من السفر وعلى غير العادة اتصل " بشمس " وأبلغه بدعوته له على العشاء  - بعيداً عن فندق " راديسون بلو " -  في أحد المطاعم المُطلة على نهر              " شيلد " حيث تقع " إنتويرب " على الضفة اليُمنى من النهر، حضر لمقابلة               " شمس " وهو يحمل بيديه رسما هندسيا ، وتبدو على ملامحه سعادة بالغة .
ميشال : افتقدتك كثيراً صديقي العزيز، لكنها المرة الأخيرة التي سأفارقك فيها لأننا سنظل سوياً طوال العمر
شمس : وأنا أيضا افتقدتك ، يبدو أنها كانت رحلة موفقة
ميشال : نعم ، موفقه جداً ، انظر لهذا الرسم الهندسي ، إنه سبب سعادتي ، سافرت إلى بروكسل لمقابلة محامي عمي لإنهاء إجراءات استلام التركة ، وهى مليارات، لكن أعمال عمى التجارية لا تروق لي ، ولا أفهمها كثيرا ً، أنا أحب السياحة ، لذلك سأقوم بتصفية الكثير منها ، وبيعها بالمزاد العلني ، واستغلال الأموال في مشروع كبير جداً ستشاركني فيه العمل ، وقد بدأت فعلا في إجراءاته 
أخرج " ميشال " من جيبه ورقة وأعطاها " لشمس "، وقال له اقرأ هذه ، نظر فيها فوجدها ترخيص لبناء فندق حلال 
شمس : فندق حلال ، لا أفهم شيئا  ,  ما معنى فندق حلال
ميشال : دفعت 1500 يورو للحصول على هذا التصريح لبناء فندق حلال ، هل تذكر الويسكي و الفودكا الحلال 
شمس : أكيد مشروبنا المفضل الآن
ميشال : الفندق الحلال لن يقدم إلا مشروبات حلال ، ولن يسمح بمنح غرفة لنزيل مع صديقته , فيجب أن تكون زوجته ، وعندما يدخل النزيل المسلم إلى الغرفة سيجد مصحفا وسجادة صلاة ومسبحة , وخريطة تدله على اتجاه القبلة ، أيضا سنستبدل صالة " الديسكو " بقاعة للموسيقى العربية ، مثل أغنيات " أم كلثوم " التي يعشقها العرب بل اليهود والغرب ، ورقص " التنورة " الذي يبهرنا نحن الأوروبيين ، لكن الأهم من ذلك كله هو حلمي "متحف المصريات " 
ضحك " شمس " وقال له : إذن سنوجه دعوة للسفارة المصرية في الافتتاح
ميشال : نعم ، لكن دون وجود آثار مسروقة ، سيكون مدخل المتحف في مبنى مجاور للفندق فمساحة الأرض كبيرة جداً ، وستكون الواجهة على شكل معبد أبو سمبل ، سنقوم أيضاً بإنشاء مطعم عائم ، باخرة على شكل مركب فرعوني تتجول في " نهر شيلد " ، حيث سيكون الفندق ، فهو على ضفة النهر ، وهذا الرسم لقطعة الأرض التي اشتريناها بالفعل .
شمس : أنه حلم رائع وجميل ، لكن فكرة فندق حلال فكرة صعبة التطبيق هنا رغم مثاليتها
ميشال : على العكس تماماً ، فمن سيأتي لهذا الفندق سيعيش حياة الشرق بكل ما فيها ، ونحن كسكان " إنتويرب " مُلتزمين دينياً ومتحفظين أيضاً ، عكس أقاليم أخرى ، كما أن هذا الفندق سيجتذب مُسلمي أوروبا ، فمثلما تُقدمون الخمور في فنادقكم بمصر رغم أنكم لا تشربوها ، فنحن سنمنعها في الفندق رغم أننا نشربها، صدقني أنه مشروع ناجح جداً , وجذاب لمُحبي الحضارة الفرعونية والشرقية , والإسلامية أيضا ً، وقد اخترتك لتكون المدير التنفيذي لفندق " رمسيس " .
شمس : " رمسيس " ؟! ، معنى هذا أن موريس لن يعمل معنا ، أنت تعرف موقفه من هذا الاسم ، وهذا الملك
ميشال : العظيم ، أسمه الملك العظيم ، هكذا نُسميه نحن ، هو وعدد قليل من ملوك الفراعنة أطلق عليهم لقب العظيم ، أولاً لا يصح أن يترك جميعنا هكذا إدارة          " راديسون بلو " فجأة ، فقد رشحت موريس ليكون مديراً عاماً " راديسون بلو "، وتلقيت الموافقة منذ قليل ، ثانياً الحضارة الفرعونية والإسلامية حضارتك أنت وليست حضارته هو  ، ثالثاً إن ارتباطي بك أقوى بكثير من ارتباطي به ، رغم الفترة الزمنية القليلة مقارنة بفترة عملي معه ، ولا أنكر أنه أفضل مدير مالي عملت معه 
شمس : شكراً لك محبتك لحضارتنا الفرعونية والإسلامية المظلومتان دائما
ميشال : لا تشكرني ، الشكر لك أنت و" لنور " فمنكما عرفت عظمة التاريخ الفرعوني ، وسماحة الإسلام ، والآن علينا العودة " راديسون بلو " لنأخذ حقائبنا وننتقل إلى مسكننا الجديد لمباشرة أعمالنا في المشروع الجديد
شمس : وأين المسكن الجديد
ميشال : اشتريت منزلين متجاورين ، وسيكونان ثلاثة قريباً جداً ، فلم أنس عمل فرع لسلسة مطاعم المحروسة التي يملكها  " نور " بمصر ، لتقدم الأكلات المصرية بالفندق ، فقد أحببت كثيراً الأطعمة التي تناولتها في مطعم " نور " ، وبهذا أضمن وجود ه معنا من آن لآخر .
شمس : أنت رائع ومخلص " ميشال "
عادا سويا  إلى الفندق ، وطلب " ميشال " من " موريس " الحضور إلى مكتبه ، وكان " شمس "  موجوداً في مكتب " ميشال "
ميشال : " موريس " تعلم أنني سافرت لاستلام التركة ، لكن أعمال عمي التجارية لا تناسبني ، فقررت استثمار تلك الأموال في بناء فندق كبير ، لعلها بداية لسلسلة فنادق عالمية ، وبالفعل حصلت على تصريح فندق حلال لجذب السياحة العربية والإسلامية ، وقد اخترت " شمس " ليكون المدير التنفيذي لفندق " رمسيس " .
موريس : " رمسيس " ؟! إذن أنتما لا تريداني معكما طالما أنه " رمسيس "
ميشال : لقد ادخرتك لعمل أكبر وأهم ، فأنت الآن المدير العام " لراديسون بلو "، لقد تلقيت الموافقة منذ قليل .
موريس : اتفقتما دون علمي ، وأصبحت أنا الغريب ، أنا العدو ، أنا من لا مكان له في عالمكما ، بعدما كنا صديقان لا يفترقان أنا وأنت ، أصبحت أنا الغريب الآن بفضل وجود " شمس "
نظر " موريس " إلى " شمس " والغضب يتطاير شرراً من عينيه ، فلأول مرة تظهر مشاعر " موريس " الحقيقية ، لأول مره يُكشر عن أنيابه ويطلق عنان لسانه ليبوح بما في صدره تجاه"  شمس " والمصريين , بل تجاه العرب والغرب والعالم كله .
موريس : تباً لكم عندما تفكرون ، وتباً لكم عندما تقرءون وتتعلمون ، وتباً لكم عندما تعملون ، تجعلوننا خارج حسابات هذا العالم ، لذلك نُصدر لكم كل ما يشغلكم عن التفكير ، حتى وإن كانت " المزرعة السعيدة " ، لكي نبني مجد اليهود ، نعم هو خطأي أنا عندما جعلتك صديقاً لنا ، جعلت لك مكاناً في  " راديسون بلو "، لم أُدبر لك المكائد ، لم أحطم أحلامك ، لم أهدم عملك ، ففعلتها أنت معي ، أنتم لا أمان لكم ، وأنت " ميشال "، حبكم لنا زائف ,  ما أسرع زواله عندما تجدون البديل .
شمس : أي مجد الذي يُبنى بتحطيم الآخر وإفساده ، أي مجد ، الأمجاد والحضارات تُبنى على القيم والفضائل ، لا على المكائد ، فأي مجد تكون أحد أدواته " المزرعة السعيدة " ، والمواقع الإباحية التي يدشنها الموساد الإسرائيلي ، وتجارة الرقيق الأبيض التي تديرونها عبر العالم ، والمخدرات ، والسلاح ، أي مجد الذي تتحدث عنه
موريس : مجد دولتنا إسرائيل 

شمس : أي دولة هذه ، ما هي إلا قطعة أرض مُغتصبة بوعد ظالم ، أعلنتم به قيام دولتكم ، وأطلقتم العنان لرصاصاتكم ومجنزراتكم ، تُبيدون وتستحلون دماء وأعراض أصحاب الأرض الحقيقيين ، الأرض أرضنا ، أرض فلسطين العربية .
موريس : هذا كل ما تستطيعون فعله ، تشجبون وتستنكرون ، يوماً أو يومين  ، ثم تعودون للعبة " المزرعة السعيدة "، وإن مللتم منها ارتدتم تلك المواقع التي تقول عنها أنها تُدار من قِبل الموساد ، أليست الحرب خدعة كما تقولون ، ونحن لم نُجبر أحدا على شيء ، بل أنتم المتعطشون للمزرعة السعيدة ، والحسناوات ، والمخدرات ، والمجون ، والسلاح الذي تُبيدون به بعضكم البعض ، فنستريح نحن ونستطيع العيش في أمان لنبنى حضارتنا وأمجادنا .
شمس : تعترف أنكم تدمروننا وتقول على سياسة التدمير حضارة ، ثم تتهمننا نحن أننا لا أمان لنا وأننا خطر يُهدد العالم بأسره ، فأي منطق هذا 
موريس : منطق الثأر ، واستعادة الحقوق ، بالأمس شيدنا لكم الأهرامات بالسُخرة ، استعبدتم اليهود ، ثم شردتموهم وأخرجتم موسى واليهود من مصر ، وهتلر أحرق اليهود ، وعبد الناصر طردهم وأمم أموالهم ، أقسمنا أن نستعيد حقوقنا ، ونبنى دولتنا ، وسنبنيها بكل وسيلة ، وبكل الأسلحة الشريفة والقذرة سنبنيها ، وإن كان على أشلاء الأعداء مثلما شردنا العالم وأحرقنا .
شمس : لا فائدة من الجدال والنقاش ، لا فائدة من إقناعك بكل الحجج التاريخية ، إن أغلب ما تؤمنون به هو افتراءات من نسج الخيال ، فلم يثبت أنكم بناة الأهرام ، ولا أُنكر أن فرعون طرد اليهود من مصر ، وعبد الناصر لم يطرد اليهود ، ولازال منهم من يعيش آمنا حُرا طليقا عاشقا لتراب مصر ، رفض مغادرتها ، وأي مجد لا يبنى على القيم لا بقاء له .
موريس : كلام الضعفاء ، وسنثبت للتاريخ أن مجد اليهود هو الباقي 
شمس : لن أُطيل الجدال معك ، لكن سأقول لك شيئاً واحداً   إذا أرادت الذئاب أن تحيا فلتتصارع السباع ,  سأكررها لك   إذا أرادت الذئاب أن تحيا فلتتصارع السباع   وهكذا تحيون الآن تجعلوننا نتصارع ، لكن أعلم أن أي حرب لابد لها من مُنتصر وسوف تفيق السباع يوماً , وقتها لن تجعل للذئاب مكاناً عندما تدرك حقيقة الخديعة ، وهكذا أردتم أن تكون نهايتكم .
موريس : نحن شعب الله المختار ، فلن تكون لنا نهاية بل نهايتكم أنتم
شمس : وهذه هي المشكلة تخيلتم أنكم وحدكم من تعرفون حقيقة الرب ، تخيلتم أن الله لم يهد أحدا غيركم ، وأنه اصطفاكم على سائر البشر ، عصيتم ، تمردتم ، قتلتم الأنبياء بغير حق ، فكتب الله عليكم الشتات في الأرض ، ليعذبكم بذنوبكم ، والحقيقة أن الأرض جاءها من يعرف حقيقة الرب أكثر منكم ، فكان أكثر منكم خشوعاً وإيماناً وطاعة ، ولا زلتم تتخيلون أنكم المؤمنين الوحيدين على هذا الكوكب ، النهاية ليست نهايتكم فقط ، بل نهاية كل إنسان يتخيل أن الله لم يهد أحدا غيره ، فيعيث في الأرض فساداً ، يقتل ، ويسفك الدماء ، ويقسم الناس إلى مؤمنين وكفار ، ويحاسب البشر وكأنه الله ، يملك مفاتيح الجنة والنار ، منهجكم واحد وإن اختلفت العبارات والمسميات ، انتهى النقاش ، وهذا فراق بيننا إلى الأبد .
ميشال : مع الأسف " موريس " ، أنت لم تحسن الظن بنا ، لقد عرف " شمس " هذا الأمر منذ ستين دقيقة فقط ، فلم أرتب معه شيئا ، لقد كان الأمر مفاجأة لم يتوقعها ، والأمر كله كان حلما أحلمه منذ سنوات ، والآن جاءتني الفرصة لتحقيقه ، بل إن " شمس" نبهني أن اسم " رمسيس " سيغضبك ، لكن ليس من الشرف المهني ترك  " راديسون بلو " عرضة للانهيار فجأة ، و" شمس " لن يكون على قدر إلمامك بالعمل في  " راديسون بلو "، كنت أتمنى أن نظل صديقين إلى الأبد ، لكنك قضيت على هذه الصداقة بشكك وسوء ظنك ، كما أتمنى لك التوفيق في عملك الجديد .
مضى عامان و" شمس " يعمل مع " موريس " بكل طاقته في الإشراف على بناء     " فندق رمسيس " ، و " متحف المصريات " ، و " مركب الشمس "  ، حتى أصبح الفندق تحفة معمارية تجمع بين الطابع الفرعوني والإسلامي ، فكان كل ركن فيه كأنه مُعبر عن حُقبة تاريخية من تاريخ مصر ، فبدا المدخل وكأنه أحد المعابد المصرية ، بينما الغرف بعضها يحمل الطراز الفرعوني والبعض الآخر يحمل الطابع الإسلامي , وبه شرفات المشربية ، أما المقهى , فبدا وكأنه سبيل السيدة نفيسة ، والبازار كأنه شارع المعز ، والمتحف مُصمم ليكون نموذجا مُصغرا من معبد أبو سمبل ، عامان من العمل والجهد والمشقة ، حتى أصبح " فندق رمسيس " أسطورة تتحدث عنها " إنتويرب " بل بلجيكا كلها ، وانهالت عروض الحجز على الفندق حتى قبل الانتهاء من التجهيزات النهائية قبل الافتتاح كمؤشر ينذر بنجاح العمل وبدايته القوية .
وفي بداية شهر إبريل 2014، حضر " ميشال " إلى الفندق متأخراً عن موعده ، يحمل في يده تذكرتين سفر إلى القاهرة ، فقدم واحدة " لشمس " فما أن رآها حتى طار فرحا ً، أخيراً سيزور مصر بعد تلك السنوات ، أخيراً سيرى عائلته وصديقه " نور " ، ويسير في شوارع القاهرة ، ويزور آثارها التي انقطع عنها سنوات ، كانت تلك التذكرة أعظم هدية أُهديت له في حياته ، لكن كانت المفاجأة عندما أخبره          " ميشال " أنه لن يُسافر وحده , بل هي رحلة استجمام لهما قبل بدء الافتتاح ، لتجمع الثلاث أصدقاء معاً ، في مصر " نور وشمس وميشال "، قبل بدء رحلة العمل الشاق في  " فندق رمسيس "  .

وعلى " مقهى رمسيس "بالقاهرة جلس " شمس ونور " ومعهما " ميشال "، يشربون أكواب الشاي بالنعناع ، كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصراً ، الموعد المُعتاد للقاء " شمس ونور " بهذا المقهى كعادتهما قديماً قبل السفر إلى بلجيكا ، كان الثلاثة يتبادلون الحديث ، وفجأة قطع حديثهم ارتفاع صوت التلفزيون الذي يبث نشرة أخبار الخامسة ، التي يُلقيها التليفزيون المصري يقول : أهلا بحضراتكم وإليكم نشرة أخبار الخامسة ، ليوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر إبريل  2014، ونبدأ بأهم الأنباء ، أعلن وزير الآثار المصري عن استعادة مصر عددا من القطع الأثرية المصرية ، جميعها من مسروقات المتحف المصري ، حيث تم استعادة بعضها من مصر ، والبعض الأخر من بلجيكا ، حيث شوهدت في إحدى صالات المزادات ، وتم العمل على إعادتها إلى مصر ، ولازال العمل جار على استعادة بعض القطع من ألمانيا , والولايات المتحدة الأمريكية ، وسيتم الإعلان عنها في الأيام المقبلة
شعر " شمس " بسعادة بالغة ، فلا زالت رحلة البحث عن الآثار المنهوبة لم تتوقف ، كما شعر " ميشال " بالفخر لتعاون بلجيكا المُستمر لإعادة التراث إلى أصحابه . 
كانت مصر تستعد لخوض الانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهر لتبدأ مرحلة جديدة مع رئيس التف حوله الغالبية العظمى من المصريين ، لذا كانت نفس " شمس " تُحدثه بالبقاء في مصر ، فأطلق العنان للسانه ليبوح بما في نفسه   " لميشال ونور"  
شمس : حاسس برغبة في البقاء في مصر، أعتقد المرحلة القادمة هـ تكون مختلفة والسياحة هـ تنتعش مرة تانية
نور : مش بالسرعة دى يا " شمس " ، لسه قدامنا كثير لغاية الأمور ما تستقر في مصر أحنا مش عارفين الأيام مخبيه إيه ، خصوصاً أن عملك مُرتبط بالإرشاد السياحي . 
ميشال : لي رأى مُختلف عنكما ، يتلخص في الهدف الذي أنشئ من اجله فندق رمسيس ، لقد نسيتما الهدف
نور : وما الهدف " ميشال " 
ميشال : تغيير الصورة السلبية للغرب عن العرب والمسلمين ، وتعريفهم بالتاريخ الفرعوني دون تحريف أو تزييف ، أم أنك نسيت الهدف يا شمس وسط مشاغل الحياة 
شمس : لا يمكن أن أنسى لكن شوقي لمصر يغلبني
ميشال : أعتقد أن مصر تحتاجك في الخارج أكثر ، مصر تحتاج الكثير من سفراء النوايا الحسنة ، ليست مصر فقط بل الإسلام أيضاً الذي لا يعرف الكثيرين حقيقته السمحة ، علينا أن نستكمل مسيرتنا ، ورسالتنا معاً  " نور  وشمس وميشال "  فبدونكما لن يكون هناك فندق رمسيس ، القضية قضيتكما وأنا آمنت بها فلا تتركاني وحدي ، ودافعوا عن حضارتكما ودينكما .
شمس : بالنسبة للحضارة الفرعونية فهي حقاً حضارتنا، أما الإسلام فهو ديني أنا وحدي لأن " نور " مسيحي 
أصابت الدهشة  " ميشال " ، دهشة وصلت لحد الصدمة فقال بصوت عال مُتعجبا : كيف ؟ لم يبدو عليك أنك مسيحي .
ضحك " نور " وقال : وكيف سيبدو علي أنني مسيحي، هل للمسيحيين أشكال مختلفة يعرفهم الناس بها
ميشال : لقد قلت لي قبل سفر " شمس " أن أضع له مُصحفا وسجادة صلاة ومسبحة في غرفته .
نور : " شمس " جاري وصديق عمري ، أعرف مدى تدينه , ومواظبته على الصلاة , وقراءة القرآن , فأردت ألا أُشعره بالغربة 
ميشال : إذن لماذا كنت ترفض أن تشرب معي الخمر , أو تذهب معي للملاهي الليلية ، أنت تفعل مثل " شمس "
ضحك " نور " وقال : فيه إيه يا عم " ميشال " واحد " شماس " وأبوه " قسيس " هتجرجره وراك في الملاهي الليلية , وتسقيه خمرة , عايز تفضحنا على آخر الزمن ، الناس تقول أبويا ب يربي ولاد الكنيسة , ومش عارف يربي ابنه ، ما تفهمه يا شمس
شمس : " ميشال "  صديقنا العزيز ، والد نور " قسيس"  , ونور " شماس " ، مسيحيين مُلتزمين لا يفعلون هذه الأشياء
أخذ " ميشال " يضرب المنضدة بيده , ويدب الأرض برجليه متندماً أن " نور " لم يخبره أنه مسيحي حتى لفت أنظار زبائن المقهى له 
ميشال : أوه .. أوه .. أوه ، أنا حزين ، حزين جداً لماذا لم تخبرني " نور " بهذا
نور : فيه إيه يا عم " ميشال " فرجت علينا القهوة مالك ، ماله يا " شمس " زعلان ليه إني مسيحي ؟ ، هو أسلم ولا إيه ، وبعدين ما انت صاحبي ومسلم ، إيه مشاكله مع المسيحيين مش فاهم
شمس : ميشال ما سبب حزنك ؟
ميشال : لقد صممت الفندق على الطراز الفرعوني والإسلامي فقط . وليس به أي طراز مسيحي
نور : بس كده خلاص ... خلاص هـ اعملك متحف مسيحي لما أسافر بلجيكا
ميشال : " شمس " أنت مسلم و " نور " مسيحي فما الفرق بينكما ؟
نور : الفرق انه أنا مسلم وهو مسيحي ، قصدي أنا مسيحي وهو مسلم ، واحد مسيحي والثاني مسلم
شمس : أي نوع من الاختلاف تقصد " ميشال " ؟
ميشال : تتصرفون بنفس الطريقة ، لكما نفس الخلق ، ترفضان الخمر ، والمجون ، لكما نفس العادات والتقاليد فما الفرق ؟
شمس : الفرق في العقيدة , له عقيدته ولى عقيدتي ، خلاف هذا لا يوجد فرق
ميشال : حقاً أنتما حالة فريدة ورائعة ،  فهل يوجد مثلكما في مصر ؟
نظر " نور"  إلى " شمس " باندهاش وأنفجر من الضحك , وقال له : ده تايه ده ولا إيه ؟
ثم نظر إلى " ميشال " وقال له : هي دى مصر يا " ميشال " ، إنت في مصر ، وهذه هي مصر مسلم ومسيحي الفارق بينهما تعرفه عندما يذهب المسلم للمسجد والمسيحي للكنيسة ، أما جوهر الإنسان واحد
شمس : " ميشال " صديقي , مسيحيو مصر مختلفين تماماً عن مسيحيي الغرب
ميشال : أوه، أنا سعيد ، سعيد جداً بكما لكنني حزين لعدم وجود تراث مسيحي بالفندق
عامل المقهى : فيه حاجة يا أستاذ نور ، لو الخواجة تعبان نوديه على المستشفى القبطي جنبنا ، أحنا ولاد بلد بردوا , ونحب نكرم ضيوفنا
نور : لا أبداً هو متأثر شوية بس من اللي بيحصل في البلد , خواجة بقا وقلبه ضعيف ، تسلم يا عماد يا أبو الشهامة 
ميشال : " نور "  ,  هذا وعد منك سنبنى متحفا مسيحيا
نور : أكيد سأبني لك متحفا عن رحلة العائلة المقدسة في مصر ، ثم قال                " لشمس "  :  كفاية كده وياللا نمشي من هنا قبل ما يقولوا إننا خاطفينه ، إنت السبب كان كويس قبل ما تعرفه
شمس : أنا سعيد ،  سعيد جدا ً، لأننا لن نفترق
نور : أوه  ,  أوه  , أوه ,  أنا حزين ،  حزين جداً لأن لدي أجن صديقين في العالم
ميشال : لماذا قمتما ، رائع جدا هذا المقهى الشعبي 
شمس : اسمه مقهى " رمسيس "
ميشال : أوه مقهى رمسيس ، لديكم في مصر مقهى رمسيس مثل فندق رمسيس
نور : مثل فندق رمسيس !!! أنت في مصر ولدينا مقهى رمسيس في شارع رمسيس ورمسيس بذات نفسه إذا أردت زيارته سيسعد كثيراً لزيارتك ,  قال زى فندق رمسيس قال هي دى أخرتها يا شمس هي بقت كده خلاص 

الفصل الخامس - ماريونت ج3



من كتاب لستم أحفادي بقلم ناني محسن : الفصل الخامس ماريونت ج2

ذهب شمس إلى عمله كمرشد سياحي في أحب الأماكن إلى قلبه , في " المتحف المصري " ، كان شديد التشوق لدخول المتحف , لكنه شعر بشيء غريب وقت دخوله ، القاعات تغير شكلها كثيراُ , ليست كما كانت سابقاً ، المتحف خاويا ليس به زائرين ، الصمت والظلام يُخيمان عليه ، أصبح من الداخل كممر طويل مُظلم ، وعلى الجانبين غرف مغلقة تملؤها أشعة الشمس , التي يبدو نورها من أسفل الأبواب المغلقة ، هم شمس بفتح الأبواب عله يجد أحدا في تلك الغرف ، مد يده يفتح أول باب , ودخل أول غرفة , فوجد بها " رمسيس الثاني " يرتدي زيه الفرعوني , ويمسك بصولجان مُلكه ، شعر"  شمس " بالسعادة لرؤيته فأقترب منه
شمس : أنت جدي الملك " رمسيس الثاني " أنت هنا حي ما مُتش , كان نفسي أشوفك من كثر إعجابي وانبهاري بتاريخك
رمسيس الثاني : ابتعد عنى ، أنتم من سرقتم كنوز الفراعنة ، ودهست أقدامكم جماجم مومياواتها ، كانت مصر دولة عظيمة في عالم لم يكن يعرف معنى كلمة دولة ، كتبنا اسم مصر في التاريخ قبل التاريخ نفسه ، مصر و ما أعظم مصر , أميرة الأميرات وجميلة الجميلات , مصر النيل , ومصر المعابد والأهرامات ,  مصر العلوم ، مصر الطب والفن والفلك والهندسة , وقوانين تحقق العدل بين الناس ، حضارة كانت تعرف قيمة الإنسان والإنسانية ، فماذا تعرفون أنتم عن مصر ، لو كنتم تعرفوا تاريخ مصر وقيمة مصر لجعلتم منها أعظم بلاد الدنيا ، أنتم عار على مصر .
شمس : جدي أنا بحبك وبحب مصر , ما تظلمنيش
رمسيس الثاني : اخرج من هنا ولا تقل جدي ، وبلغها عني لكل الناس , فرعون مصر يقول لكم  " لستم أحفادي " ، انتم عار على مصر ، عار على مصر ثم أغلق الفرعون بابه فى وجه شمس
ظل شمس يطرق باب " رمسيس " بعد أن أُغلق الباب في وجهه ، لكن لا فائدة فذهب يطرق باباً آخرا , لعله يجد من يرحمه من هذا المكان الذي أصبح متاهة مُظلمة موحشة ، فإذا بالباب الثاني يفتح له , فيجد شيخاً عربياً , قصير القامة قوي البنية , عيناه ثاقبتان تنمان عن ذكاء صاحبهما ، ورغم أنها المرة الأولى التي يرى فيها "  شمس " وجه هذا الشيخ إلا أنه عرفه , وكأنه كان يعرفه تمام المعرفة ، إنه " عمرو بن العاص" ، فرح لرؤيته ، اقترب منه ، تمنى لو أن " عمرو " يضمه اليه , لكن وجهه كان غاضباً
شمس : جدي " عمرو بن العاص " الحمد لله أني قابلتك هنا يا أعظم وأعدل من حكم مصر , على يدك دخل الإسلام إلى مصر
عمرو بن العاص : أبتعد عني، ماذا تعرفون أنتم عن الإسلام والمسلمين ، كتب لى الله فتح مصر، فدخلتها وكان أهلها من النصارى ، ذاقوا العذاب على يد الملك هرقل الرومي ، الرومان كانوا يُجبروا أهل مصر على تغيير دينهم، استولوا على كنائسهم ، حرقوها ، كبير القبط كان " الأنبا بنيامين الأول "، كان هارباً من بطش الرومان بعد ما عذبوا أخيه " مينا " وقتلوه ، نشرت رسالة في كل ربوع مصر " الموضع الذي فيه  " بنيامين "  بطريرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلام ، فليحضر آمناً مُطمئنا ليدبر أمر شعبه وكنائسه " وحضر " الأنبا بنيامين " بعد أن قضي ثلاثة عشرة سنة هارباً ، أكرمته , ورددت له كنائس الأقباط , وأملاكهم التى سلبها منهم الرومان ، لم نحرق كنيسة لم نظلم مسيحيا ، وبالحب والعدل والسلام نشرنا الإسلام في مصر، فبها وبأهلها أوصانا رسول الله ، لم نحرق الناس أحياء كما تزعمون أن " أبا بكر " حرق الناس أحياء , فماذا تعرفون انتم عن " أبي بكر " الذى قال فيه " عمر بن الخطاب " الفاروق العادل "وددت  أني شعرة في صدر أبي بكر رضي الله عنهما " أما سمعتم بقول " رسول الله " لا يعذب بالنار الا رب النار فمن أحرص على الدين من " أبى بكر الصديق " ، فها أنتم في أخر الزمان تجعلون من الإسلام دينا لا يعرف إلا البطش , والقتل , وحرق الناس أحياء  وقطع رؤوسهم , وتحطيم تراث تركته أمم قبلكم ، غير ذلك لا تفعلون شيئا
شمس : جدي جزآك الله عن مصر كل خير، أكنت تعرف أن مصر بها آثارا فرعونية ؟
عمرو بن العاص : أكنتم تظنوني حاكماً لبلاد لا أعرف ما فوق أرضها , أم تظنون أن تلك الأهرامات وأبو الهول ، كانت أبنية مندثرة تحت رمال الصحراء ولم يكتشفها أحد غيركم ، فأين عقولكم ، أتيت على المصريين نصارى وليسوا عبدة أصنام ، ولو شئنا تحطيمها لحطمنا كل أثر طالته أيدينا ، لقد أحب المصريين الإسلام لما به من رقي له تأثير السحر على كل من يقترب منه , وقد أدركوا هذا بعدما رأوا همجية الرومان ، فأين أنتم من الإسلام ، أم تظنون أنفسكم أعرف بالدين منا , وأحرص عليه من صحابة رسول الله ، ستسألون يوم القيامة كم مسلماً أخرجتموه من الدين ، أغرب عني ولا تقل جدي , " لستم أحفادي "
أُغلق باب عمرو في وجه شمس ، فطرق بابه يستغيث به , ولا أحد يجيب .

فأنتقل إلى باب أخر ينشد نورا يهديه , فطرق بابا ثالثا , ففُتح له , فإذا به يجد فارساً أشقر اللون , تبدوا عليه سمات التدين والشجاعة , نظر إليه وكأنه يعرفه , انه الملك المظفر " قطز "
شمس : الملك المظفر " قطز " قاهر التتار ، نعم الملك أنت ، ونعم المحارب المدافع عن دينه ، ونعم الجد
قطز : أنا الملك " محمود بن ممدود بن خوارزم شاه " ، من الله علي بحكم مصر ,  وكان زحف " التتار " يقترب منها ، يحرقون البيوت والمساجد والكنائس ، يقتلون الرجال والنساء والأطفال ، حاربت , ورددت همجيتهم عن مصر وعن العالم ,  واختفت أسطورة وحشيتهم إلى الأبد ، لم أكن أعرف انه سيأتي زمان يظهر فيه من بين المسلمين من هم أكثر همجية , ووحشية من " التتار" ، ينعتون الإسلام بما ليس فيه ، لو كنت رأيت ما تؤتونه من أفعال لحاربتكم بسيفي هذا حتى يسلم العالم من شروركم ، تزعمون أنكم تحاربون من أجل الدين ونشر الإسلام وتحقيق العدل ، ثم تسفكون دماء بعضكم بعضا بدلاً من سفك دماء الأعداء ، تنشرون الذعر والظلم , وتصرفون الناس عن الدين
شمس : جدي أرجوك ما تقفلش بابك في وشي زيهم , أنا بحبك , إحنا محتاجينك اخرج حارب "  تتار  " هذا الزمان , دافع عن الدين , دافع عن مصر
قطز : مضى زماني ، أديت أمانتي ، وأستأمنكم الله بعدنا على الدين , وعلى مصر ,  فخنتم الأمانة ، اخرج وأبلغ الناس عني , وقل لهم " قطز " قاهر " التتار " يقول لكم "  لستم أحفادي  " رضيتم أن تكونوا أحفادا للتتار . أُغلق الباب في وجهه .
انتقل إلى باب رابع يطرقه , أنفتح الباب فإذا به يجد فارساً بزي حربي , لم يجد جهداً في معرفته , أنه يعرفه جيداً ، يعرف ملامحه من الصور والتماثيل , إنه الملك " الناصر صلاح الدين الأيوبي "

شمس : أعرفك جيداً يا جدي ,  " الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي " فما أروعك ,  وما أعظمك من حاكم , وما أشرفك من محارب
صلاح الدين الأيوبي : نعم , أنا  " صلاح الدين " ، أنا من حارب " الصليبيين " من أجل استرداد القدس ، كنت أقود جيشاً غباره يحجب نور الشمس , كان يضم المحاربين , وعلماء الدين , والأطباء والكيميائيين , وخبراء القوانين ، أمرتهم أن يحاربوا بشرف ، لا يقتلعوا زرعا , ولا يمسوا امرأة أو طفلا أو شيخا بأذى ، لا يهدموا صومعة , ولا يمسوا راهباً متعبداً بسوء ، وعندما انتشر المرض في صفوف    " الصليبين " ونال من " ريتشارد " أرسلت له بالفاكهة والماء " وعندما فقد                " ريتشارد " جواده , أرسلت له اثنين من خيرة الجياد , ومعها رسالة تقول " إن الملك لا يجب أن يُقاتل على رجليه " وعندما خطف عبد مسلم رضيع من أمه المسيحية رددته إليها ، وعندما رحلت جيوش " الصليبيين " لم أمنعهم يوما من حجهم بالقدس ، لقد تحدث عني أعدائي أكثر مما تحدث أحبائي ، تحدثوا عن خصم شريف ونزيه يحظى بالتقدير والاحترام ، ليس تفضلا مني , إنما هي الأخلاق التي تعلمناها من الإسلام ، وعندما تعاملنا بها مع أعدائنا أبهرنا العالم ، فأين أنتم من أخلاق الإسلام  
شمس : عندي شعور بالارتياح وأنا معاك يا جدي , أرجوك , نفسي أكون جنبك ما تقفلش بابك
صلاح الدين : للأسف كل أفعالكم التي عرفتها عنكم لا يأتي بها إلا عدو للإسلام يريد أن يشوهه ، المسلمين من علموا العالم دروساً في شرف ونزاهة الحروب بعد أن كانت لا خلق لها ولا دين , الإسلام من أكرم الأسير , وراعى حرمة الكنائس والمعابد، أكرم رجال الدين من القسس والرهبان , ولم يستحل دمائهم ، أمرنا ديننا بالرحمة بالضعفاء , هؤلاء هم المسلمين , فمن أنتم وبأي دين تدينون يؤسفني أن أقول لكم " لستم أحفادي "

أغلق " صلاح الدين " بابه غضبا رغم  ما عُرف عنه من رحمة وتسامح , أغلق بابه وتبرأ منه , فمن سيفتح له إذن  ؟  وأين يذهب ؟
  
وجد أمامه بابا , لعله يجد من يفتح له طاقة من النور والأمل , فطرق الباب , ففتح له شيخ , طيب الملامح , عذب الصوت , يعرفه جيداً , تربى على أحاديثه ,  كان بحق كأنه جدً له , أنه إمام الدعاة " الشيخ الشعراوي " لكنه أيضا غاضب
شمس : شيخنا الجليل إمام الدعاة , نفسي أقولك بحق , إنك جدي , وأبويا , اتربيت على دروسك , عشقت دعاءك وصوتك , أرجوك ما تقفلش , خليني جنبك وما تقفلش بابك في وشى .
الشيخ الشعراوي : وهل راعيتم حق الدين والإسلام , لقد شوهتم صورة الإسلام في أعين العالم ، صرفتم الناس عن دين الله بغضا فيكم وليس في الإسلام ، أسأتم إلى مصر ، تدمرون مصر وتستحلون دماء أبنائها , وتقولون عنها أنها أمة كافرة , مصر الكنانة , مصر التي قال عنها " رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلها في رباط إلى يوم القيامة , من يقول عن مصر أنها أمة كافرة ؟ إذن فمن المسلمون ؟ من المؤمنون ؟ مصر التي صدرت علم الإسلام إلى الدنيا كلها ,  صدرته حتى إلى البلد التي نزل فيه الإسلام , هي التي صدرت لعلماء الدنيا علم الإسلام , أنقول عنها ذلك ؟ !!!!! ذلك هو تحقيق العلم في أزهرها الشريف , وأما دفاعا عن الإسلام فانظروا إلى التاريخ , من الذي رد همجية التتار عنه ؟ إنهـــــــــــــــا مصــــــــــر,  من الذي رد هجوم الصلبين على الإسلام والمسلمين ؟ إنهـــــــــــــــا مصــــــــــر , وستظل مصر دائما رغم أنف كل حاقد أو حاسد أو مستغل أو مستَغلٍ , مدفوع من خصوم الإسلام هنا أو خارج هنا .. إنها مصر و ستظل دائما , أغلق        " الشعراوي " بابه وهو غاضب , ظل شمس يتحسس طريقه وسط الظلام ليخرج من باب المتحف الذي دخل منه , وعند الباب وجد أمامه " البابا شنودة " , فبكى وتحدث بما في نفسه
شمس : " البابا شنودة " قداستك معاهم ، ليه الكل هنا قفل بابه في وشي وسابوني ؟  الدنيا هنا ضلمة , والطريق بره ضلمة , مش لاقي فيه شعاع نور , مش شايف , ومش عارف أروح فين
البابا شنودة : يا ابني ... انت عارف انت فين ؟
شمس : أيوه  , ده المتحف المصري
البابا شنودة : لأ يا ابنى ... اقرا كده اليافطة دي
شمس : حصن التاريخ !!!!  يعنى إيه حصن التاريخ
البابا شنودة : يا ابنى التاريخ حصن كبير يحميك من ضلام المستقبل , وانتم بعدتم عن التاريخ , نسيتوه و شوهتوه و اتكبرتم عليه , و افتكرتم نفسكم فاهمين كل حاجة أكثر من اللي سبقوكم , واللي يتكبر يا ابني على التاريخ يقفل بابه في وشه , ويفضل البني آدم يتخبط كده في الضلمة زيه زى الأعمى , بس عمى البصر سهل ربنا يكفيك شر عمى البصيرة .
شمس : يعنى إيه , قداستك هتقفل باب الحصن في وشى ؟  
البابا شنودة : يا ابني التاريخ ما بيقفلش بابه في وش حد ,  انتم اللي قفلتم أبواب عقولكم وقلوبكم وعينيكم , فشفتم إن كل الأبواب مقفولة ، يا ابني الأبواب كلها مفتوحة , انت اللي مش شايف , الضلمة جواكم انتم بس ، افتحوا قلوبكم وعقولكم وافهموا تاريخ بلادكم واعرفوا قيمتها , وقتها بس هتشوف النور مالي الدنيا زى نور الشمس في عز الضهر , وهتشوف كل أبواب الحصن مفتوحة قدامك , وهتحس بكل الناس اللي شفتهم هنا وبتقول إنهم قفلوا أبوابهم في وشك هتحس إنهم معاك وجنبك , شايفهم وسامعهم  وحاسس بأنفاسهم , اخرج يا ابني لطريقك
شمس : الطريق ضلمة وأنا لوحدي
البابا شنودة : فيه كتاب ليا اسمه " الله وكفى " انت مش لوحدك يا ابني , ربنا معاك قادر ربنا ينور طريقك
شمس : لأ ,  لأ ,  الدنيا ضلمة , مش شايف
كان " نور " جالسا إلى جوار " شمس " ينتظر اللحظة التي يفيق فيها من غيبوبته بعدما سقط فاقدا للوعي وقت حادث التفجير الذي راح ضحيته الطفل " عبد الرحمن " وبينما انشغل الناس بالتفجير , انشغل " نور " بصديقه وتم نقله إلى المستشفى القبطي ، ارتفعت حرارة " شمس " , كان جسده يرتجف , وظل فاقدا للوعي ، قال الأطباء إنه تعرض لصدمة عصبية عنيفة , وربما يكون لذلك تأثيرا سلبيا على ذاكرته ,  أو أحد حواسه بعد إفاقته ، لذلك شعر " نور " بالخوف عندما سمعه يصرخ ويقول : الدنيا ضلمة مش شايف ، هل فقد شمس بصره ؟  انطلق نور إلى غرفة الأطباء واستدعى الطبيب ، ثم رجع إلى غرفة " شمس " فوجد والده " القسيس ملاك  " يحتضنه وهو يبكى بكاء شديدا
نور :"  شمس "  انت شايفنا ؟
شمس : للأسف لسه ب اشوف
نور : فاكرنا  ؟ عارف أنا مين ؟
شمس : : " عبد الرحمن "  ذنبه إيه ؟ " عبد الرحمن "   اتقتل مرتين , مرة لما عمه رماه ,  والمرة التانية ريحوه من الدنيا كلها
والد نور : يا ابني " عبد الرحمن "  ربنا اختاره لأنه بيحبه , وهو في مكان أحسن بكثير مع " أبانوب " وشباب الثورة و" الشيخ عماد عفت " والجنود المصريين وكل الناس الطيبين اللي ماتو ظلم وغدر ، دول مع ربنا دلوقتي ، وربنا لوحده كفايه , ما سمعتش " البابا شنودة " لما قال : الله وكفى
شمس : أيوه . البابا شنودة قالي كده دلوقتي , قبل ما يقفل باب حصن التاريخ في وشى , ويسيبني أخرج للضلمة  
نور : أنا كده فهمت , علشان كده كنت بتقول مش شايف , لازم تحكيلي الحلم ده طبعا ، بس لما صحتك تتحسن , بركاتك يا عم " شمس "
شمس : لازم نمشى علشان نلحق نسافر ل" ميشال "
نور : نلحق ، الطيارة طلعت من أول امبارح ، واحنا مش هـ نسافر " لميشال "              " ميشال  "هو اللي هـ يوصل النهاردة ومجهز لك مفاجأة حلوة
شمس : ما عادش فيه حاجة حلوة في الدنيا خلاص
نور : اليأس كفر وحرام ، وبعدين انت عايز تحضر التفجيرات وما تحضرش المؤتمر الاقتصادي اللي اتعملت علشانه التفجيرات
شمس : إحنا هـ نشارك في المؤتمر الاقتصادي  ؟ !!
نور : أيوه يا سيدي , " ميشال " عمل اتصالات كبيرة علشان يشارك في المؤتمر الاقتصادي , وهـ نعمل فرع لرمسيس في مصر ، مصر هـ تبقى حلوه قوى يا " نور "  طول ما احنا مع بعض , ما فيش حاجة تفرق ولادها أبدا
شمس : مصر ب تضيع , ولادها ب يموتوا
القسيس ملاك : يا ابني مصر عمرها ما هـ تضيع , دي اسمها المحروسة , أومال سمينا المطعم المحروسة ليه  ؟ العالم كله في إيد ربنا , ومصر في قلبه وهـ تفضل دايما محروسة من ربنا





انتهت سطور الكتاب على أمل عودة مصر عظيمة متقدمة رايتها عالية خفاقة تعلو كل الرايات كما كانت في سالف الزمان ، وروح محبة تجمع بين أبنائها ، أبناء العائلة المصرية مسلمين ومسيحيين ، وأمان يملأ البيوت والطرقات , وابتسامة مرسومة على كل الوجوه ، ربما استطعنا تحقيق الحلم يوماً ، وربما حققه أبناؤنا أو أحفادنا ، ثم نرحل جميعاً ، ولكن يبقى الحلم , وتبقى مصر


تــــحـــيا مـــصـــر